يبدو أن قصة أفريقيا مع التنظيمات الإرهابية لن تنتهي في القريب العاجل، وأن هناك فصولاً جديدة قائمة خلف الستار، وقصصاً مثيرة وخطيرة لأخطر تنظيمين إرهابيين عرفهما التاريخ المعاصر «داعش» و«القاعدة». وإذا كان تنظيم «داعش» قد تعرض لضربات موجعة مؤخراً أدت إلى تشتت جموعه، فإن هذا لا يعني أن الفكرة قد سحقت ومحقت مرة وإلى الأبد. ما الذي يدفعنا إلى فتح هذا الملف في الوقت الحاضر؟
قبل نحو أسبوعين كان «مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة»، التابع لدار الإفتاء المصرية في القاهرة، يصدر دراسة حديثة عن تنظيم «القاعدة» الإرهابي في شمال وغرب أفريقيا، وبخاصة مجموعة «دول الساحل»، خلاصتها أن التنظيم يتمدد هناك من جديد، وأنه بدءاً من عام 2017 استطاع أفراد وقيادات «القاعدة» استغلال حالة الانشغال العالمي بمطاردة «داعش»، وأخذ يعيد ترتيب الصفوف وبناء القدرات، ما يحمل قراءات مستقبلية تمضي في سياق القول بأن التنظيم سيكون أكثر نشاطاً وخطورة على الأمن القومي لعدد من المناطق الإقليمية ودول بعينها في شمال وغرب أفريقيا.
تكشف دراسة «مرصد الفتاوى» كيف أن القاعدة لم تخسر نفوذها بالكامل، سيما في دول المغرب العربي، وأنها ظلت حاضرة على مسرح الأحداث، كما سعى إلى الامتثال لتعليمات أيمن الظواهري بضرورة تحالف واندماج الجماعات «الجهادية»، في محاولة لمعالجة التشتت والتخبط التنظيمي الذي عانى منه التنظيم خلال السنوات الماضية، وهو ما أصاب البنية الهيكلية للقاعدة بضعف كبير، ولهذا مضت خمسة أفرع تابعة للتنظيم في المنطقة على تبني نهج التحالف والاندماج، تحت اسم «نصرة الإسلام والمسلمين». وهذا هو الإفراز التنظيمي الأكثر خطورة في المنطقة منذ تأسيسه في2017 من حيث عدد العمليات في مالي.
هل نحن أمام عودة حقيقية للقاعدة تزكيها أخبار أخرى، مثل حديث والدة «أسامة بن لادن» الأخير لصحيفة الجارديان البريطانية، حول قرار ابنها بأن يجعل ولده «حمزة» خليفة له؟
تقول الجارديان: إن أيمن الظواهري الزعيم الحالي للتنظيم قد عهد إلى حمزة بن لادن بمنصب قيادي في تنظيم «القاعدة»، وذلك من نحو عام من الآن، وهذا على الرغم من صغر سنه مقارنة مع قيادات أخرى في التنظيم، وحمزة بن لادن من مواليد عام 1989، وهو نجل أسامة بن لادن رقم (15) من وسط (20) أخاً آخرين، وقد ظل حمزة بجانب والده في أفغانستان حتى تعلم استخدام السلاح، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، انتقل حمزة مع النساء والأطفال وقتها إلى «جلال آباد» ثم إلى إيران، وظلوا هناك قيد الإقامة الجبرية، إلا أنه تمكن من التواصل مع أبيه بعد ذلك.
ومما يؤكد الدور المعقود بناصية «حمزة» هو أن القوات الأميركية قد عثرت بعد مهاجمتها لبن لادن على أوراق تؤكد أن أسامة بن لادن قد أخذ عهداً على نجله «حمزة» بأن يمضى في الطريق عينه ليحقق واحدة من اثنتين إما النصر أو الشهادة.
ومؤخراً بدأ الحديث يكثر عن زواج «حمزة» من ابنة المصري «محمد عطا» قائد عمليات نيويورك وواشنطن 2001، عطفاً على تصريحات متباينة له تؤكد بأنه عازم على أن يصل إلى أعلى المناصب في التنظيم ليكون خليفة والده. هل من دراسات أخرى تؤكد صدقية ما جاء به «مرصد الفتاوى» في مصر؟ في الخامس من فبراير الماضي، نشر المركز الأميركي المتخصص في الشؤون الأفريقية تقريراً حول «نفوذ» التنظيمات الإرهابية في شمال أفريقيا، أكد تراجع «داعش» الإرهابي، فيما ضاعف تنظيم «القاعدة بالمغرب الإسلامي» من عملياته الإرهابية.
يتفق التقرير الأميركي جملة وتفصيلاً مع دراسة مرصد الفتاوى في مصر، سيما فيما يخص تراجع وتقلص عمليات «داعش» وبنوع خاص في ليبيا العام الماضي، حيث بات أقل التنظيمات الإرهابية فاعلية في أفريقيا، فقد تراجعت عملياته من 319 عملية في 2016 إلى 43 عملية فقط في 2017، خلفت من ورائها نحو 239 قتيلاً. لكن وفي المقابل يؤكد التقرير الأميركي على تضاعف عمليات تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» إلى 157 عملية مقابل 56 عملية في 2016، مع تضاعف عدد الضحايا بعد مبايعة «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» التي تشكلت في مارس 2017.
أما كيف يمول تنظيم «القاعدة» عملياته الإرهابية في شمال أفريقيا وكذا غربها، فإن المصادر المالية تكاد تكون معلومة للقاصي والداني، وفي المقدمة منها عمليات الاختطاف وتبادل الرهائن الأجانب، وتجارة المخدرات، وبيع السلاح وغسيل الأموال، والسرقة والنهب، ثم تهريب المهاجرين، عطفاً بكل تأكيد على التبرعات والتمويلات المالية من الجماعات الداعمة حول العالم.
هل نحن أمام خطر جديد لإرهاب عائد يهدد المنطقة والعالم؟
يبدو بالفعل أن «القاعدة» في طريقها للنشوء والازدهار من جديد بهيكل تنظيمي مغاير، وقيادات جديدة، والدليل التصفيات التي قامت بها «القاعدة» في صفوف قادتها العام الماضي، ما يعني أن قراءة مرصد الفتاوى في مصر عن عودة «القاعدة» بأسلوب جديد حقيقة مؤكدة، وأن اللعبة اليوم بين تنظيمي «داعش» و«القاعدة»، لم تعد لعبة شد وجذب بينهما، بل أصبحت ذات أهداف موحدة في المنطقة، سواء في إطار اندماج أو تحالف...إنه الإرث سيئ السمعة.
*كاتب مصري