كنتيجة لوباء السمنة الذي يجتاح العالم حالياً، يلتزم الملايين، أو على الأقل يحاولون اتباع نظام غذائي معين، أو «دايت»، أو «ريجيم»، في محاولة لإنقاص وزنهم، ولتجنب المضاعفات الصحية الخطيرة التي تنتج عن زيادة الوزن والسمنة. ويمكن إدراك حجم وباء السمنة الحالي من التقديرات التي تشير إلى أن 12 في المئة من البالغين من أفراد الجنس البشري، أي ما يعادل 600 مليون، يعانون زيادة الوزن والسمنة، بالإضافة إلى 100 مليون طفل، يعانون أيضاً من زيادة الوزن والسمنة. ومن الصعب حصر جميع أنواع الحمية الغذائية المطروحة حالياً، وإنْ كان ليس من المبالغة التقدير أنها تتخطى المئة نوع. وإنْ كان من الممكن تقسيم أنواع النظم الغذائية إلى ستة أنواع رئيسة: 1- منخفضة الدهون. 2- منخفضة الكربوهيدرات. 3- منخفضة السعرات الحرارية. 4- شديدة الانخفاض في السعرات الحرارية. 5- «الديتوكس» الهادفة لتخليص الجسم من السموم. 5- النظم الغذائية لأسباب دينية وعقائدية.
ورغم أن قواعد التغذية الصحية السليمة معروفة، وثابتة ومؤكدة، إلا أن الصورة تصبح أكثر ضبابية عند التعامل مع النظم الغذائية المطروحة لهدف إنقاص الوزن، ولدرجة أن بعضها قد يحمل في طياته ضرراً صحياً أكبر من الفائدة المرجوة. هذه الحقيقة تجسدت بداية الأسبوع الحالي من خلال دراسة نشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المرموقة المتخصصة في الصحة العامة (The Lancet Public Health)، وأظهرت أن الحمية الغذائية المعتمدة على خفض المتناول من الكربوهيدرات بدرجة كبيرة، قد تؤدي إلى تقصير في مؤمل العمر بسنوات عدة.
مثل هذا النوع من الحمية، والذي يعرف أحياناً باسم «آتكنس» نسبة للطبيب الذي قام بتصميمها وإشهارها، أصبح شائعاً وواسع الاستخدام خلال العقود والسنوات الأخيرة، ليس فقط لإنقاص الوزن، وإنما أيضاً للوقاية من بعض الأمراض. إلا أن الدراسة المشار إليها والتي أجريت في الولايات المتحدة، واستغرقت 25 عاماً، أظهرت أن تناول كميات معتدلة من الكربوهيدرات، واستبدال اللحوم بالبروتينات والدهون النباتية، يمكن أن يكون اختيار أفضل.
وتوصل القائمون على الدراسة لهذه النتيجة من خلال متابعة النمط الغذائي لأكثر من 15 ألف شخص، لمدة خمسة وعشرين عاماً، مع التركيز على نسبة مساهمة الكربوهيدرات في إجمالي ما يتناولونه يومياً من سعرات حرارية. ويمكن تلخيص النتائج في التالي؛ إذا ما كان الشخص يعتمد على الكربوهيدرات في الحصول على 80 في المئة من السعرات الحرارية، فترتفع احتمالات الوفاة المبكرة لديه، إلا أن هذا الخطر يتراجع مع انخفاض المتناول من الكربوهيدرات، ليصل إلى أدنى حد لدى الأشخاص الذين يعتمدون على الكربوهيدرات في الحصول على 50 في المئة فقط من احتياجاتهم من السعرات الحرارية يومياً. ولكن، إذا ما انخفض المتناول من الكربوهيدرات عن هذا الحد، أي 50 في المئة، فسرعان ما يعود خطر الوفاة المبكرة للارتفاع مرة أخرى، ليصل إلى أقصى مدى لدى الأشخاص الذين يعتمدون على الكربوهيدرات في الحصول على أقل من 20 في المئة من احتياجاتهم اليومية من السعرات الحرارية.
والخلاصة أن الاختيار الأفضل هو تناول كميات معتدلة من الكربوهيدرات، بحيث يستمد الجسم 50 في المئة من احتياجاته من السعرات الحرارية من هذه المجموعة الغذائية المهمة، ورغم أن رفع النسبة أكثر من ذلك يسبب ضرراً للجسم، فإن الضرر الأكبر ينتج من خفض هذه النسبة، خصوصاً في الحالات الشديدة التي تنخفض نسبة مساهمة الكربوهيدرات في مد الجسم بالسعرات الحرارية إلى أقل من 20 في المئة.     
وهو ما يتطابق مع الحكمة الطبية المعروفة والموثقة، بأن الخفض الشديد في إحدى المجموعات الغذائية الأساسية، أي الكربوهيدرات أو البروتينات أو الدهون، لا يتماشى مع قواعد التغذية الصحية السليمة، والتي تنص على ضرورة الحصول على السعرات الحرارية والعناصر الغذائية المهمة مثل الفيتامينات من جميع المجموعات الغذائية الأساسية، بشرط أن يكون هناك توازن بينها جميعاً، مع الاعتدال في الكميات المتناولة بغض النظر عن نوعها. مع ضرورة أن تشكل الخضراوات والفواكه الطازجة الجزء الأكبر من الغذاء اليومي، واستبدال البروتينات والدهون الحيوانية بالبروتينات والدهون النباتية قدر الإمكان، وممارسة النشاط البدني والرياضة بقدر كافٍ وبشكل منتظم، والابتعاد عن السلوكيات الضارة بالصحة مثل التدخين وشرب الكحوليات، وخفض التوتر المزمن في الحياة اليومية قدر الإمكان، سواء ذلك الناتج من الأنشطة الاعتيادية أو من بيئة العمل والظروف المهنية.