اللغة هي الوعاء والحاوية للأفكار والإبداعات، والمعبرة عن خلجات الإنسان ودواخله، بل هي «شخصيته». واللغة، أية لغة، تتكون من ثلاثة عناصر: «الشعور، العاطفة والمعنى». فإذا، ترجمت نصاً أو شعراً عربياً، للغة أخرى فقدت، عنصرين مهمين فيها، هما الشعور والعاطفة وبقي العنصر الثالث المعنى!
وقد اختارها الله للسان قرآنه الكريم بقوله «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ» سورة الشعراء، آية:195، كما أن نزول القرآن بهذا اللسان العربي، يُبين مستوى العربيّة الفائق، التي كان يتحدث بها العرب. اللغة العربية تشكل الدرع الواقي للهوية بأركانها الثَلاثَة: «الدين، التاريخ واللغة فإذا اختل ركن اللغة، اختلت الهوية، لأنها هي وعاء للدين والتاريخ. ما يتم التعامل مع اللغة العربية، وإقبال الطلاب على اللغات الأجنبية، ليس مرتبط علمياً، مع الإبداع والابتكار، والدليل هناك دول تقدمت مع استخدام لغتها الأم وتعلم لغات أجنبية ثانية. وفي ذلك، دلّت الدراسات النفسية أن القارئ والسامع يستوعب مضمون نص بلغته الأصلية أكثر بنسبة 20%عن استيعابه بلغة أجنبية مهما كان إتقانه لها. وما يدعم ذلك، توصية منظمة «اليونيسكو»، باستعمال اللغة الأم في مختلف المراحل التعليمية، وأشادت بقوة اللغة العربية تحديداً.
ولإعلاء شأن اللغة العربية تنظم «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم» للمعرفة فعاليات مبادرة بـ«العربي» التي جاءت كفكرة طرحتها على المؤسسة مجموعة من طلبة جامعات الإمارات، وتبنت المؤسسة الفكرة، لتحتفي بها، تزامناً مع اليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر من كل عام، اليوم الذي صدر فيه، قرار إدخال اللغة العربية عام 1973 في الأمم المتحدة.
في هذا السياق نجد كتاب «اللغة العربية والتعليم.. رؤية مستقبلية للتطور» الصادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية (عام 2008)، للدكتور رشدي أحمد طعيمة، بعنوان «اللغة العربية بين مهددات الفناء ومقومات البقاء»، نقل فيها عن ديفيد كريستال، عالم اللغة، قوله إن موت اللغة يتم على ثلاث مراحل: الأولى: الضغط الشديد الذي تمارسه اللغة المسيطرة على أفراد «اللغة الخاضعة».
ثانياً: ظهور الثنائية اللغوية، حين يمتلك ذوو اللغة الأصلية مهارات استخدام اللغة الأقوى، مع الاحتفاظ بمقومات لغتهم الأصلية. ثالثاً: ظهور جيل جديد من الأطفال والشباب يجيد اللغة المسيطرة، فيفضل استعمالها ويترك لغته الأصلية، معتقداً أنها لا تساعده على قضاء شؤونه.
تعد اللغة العربية من أغزر اللغات من حيث المادة اللغوية، فعلى سبيل المثال يحوي معجم «لسان العرب» لابن منظور، من القرن ال13، أكثر من 80 ألف كلمة، بينما في اللغة الإنجليزية، يحتوي قاموس الإنجليزية لصموئيل جونسون، من القرن ال18، على 42 ألف كلمة.
  القيادات في دولة الإمارات مدركة لأهمية اللغة العربية، كمكون حيوي وجوهري لشخصية شعب الإمارات والدرع الواقي لهويته.
ومن الضروري الاهتمام، بتعديل الميزان في حصص التعليم لصالح العربية، وجبر النقص. وأهم خطوة، هي جعل سوق العمل في الإمارات من الدوائر والشركات شبه الحكومية، وغيره مهتماً بمعيار اللغة العربية، أحد أهم المعايير لقبول المتقدم للوظيفة، ولا يقتصر الأمر على معيار إجادة الإنجليزية، لقبوله في الوظيفة، كما هو جار حاليا. فيما يُستبعد من يجيد العربية أكثر من الإنجليزية مثل هذه الإجراءات في تطبيق معيار إجادة العربية ستكون حافزا لاهتمام الطلاب والدارسين باللغة العربية. لأننا إذا لم نعر اهتماما بلغتنا وجعلها من متطلبات سوق العمل، فسوف تصبح اللغة العربية مُحارَبة من أهلها، وهذا ظلم عظيم، لهويتنا ووطننا!؟
ومن المفارقة أن نرى الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا واليابان، يهتمون بتدريس طلابهم اللغة العربية كلغة ثانية بجانب الإنجليزية، لاحتياجات السوق العربية.
* سفير سابق