منذ عام 2000 تحيي حكومات العالم، والعديد من الجهات والمنظمات الدولية غير الحكومية، الذكرى السنوية لليوم العالمي للشباب (International Youth Day)، والذي يحل كل عام في الثاني عشر من شهر أغسطس. ومنذ أن خصصت الأمم المتحدة هذا اليوم للشباب- أو بالأحرى صغار السن بمختلف أعمارهم- بناء على القرار رقم 54/120 الصادر عن الجمعية العامة في 1999، حملت كل احتفالية نمطاً ومحوراً محدداً. فعلى سبيل المثال، حملت احتفالية عام 2014 شعار "الشباب والصحة العقلية"، للتركيز على الاضطرابات النفسية والعقلية بين أفراد هذه الطائفة العمرية. بينما ركزت احتفالية 2015 على قضية "الشباب والمشاركة المدنية" لجذب الانتباه إلى أهمية مشاركة الشباب في مؤسسات المجتمع المدني بمختلف أهدافها وتوجهاتها، وفي 2016 كان المحور والقضية هو "الطريق إلى 2030: القضاء على الفقر وتحقيق الاستدامة في الاستهلاك والإنتاج"، وفي عام 2017 كان الموضوع والشعار هو "الشباب بناة السلام"، لزيادة الوعي العام بأهمية دور الشباب في وقف الحروب والصراعات، وفي تحقيق العدالة الاجتماعية، والحفاظ على السلم الدائم.
وعلى المنوال نفسه، كان محور قضية العام هو "فضاء آمن للشباب" للتركيز على الحاجة لخلق حيز وأماكن للشباب تمنحهم فرصة الازدهار، والتعبير عن أنفسهم، والشعور بالراحة والاطمئنان. والمقصود بالفضاء أو الحيز هنا، هو جميع الأماكن سواء كانت مدنية، أو عامة مجتمعية، أو حتى في الفضاء أو الفراغ الإلكتروني بأشكاله المختلفة من شبكة عنكبوتية أو وسائل للتواصل الاجتماعي، بشكل يحفظ كرامتهم ويحافظ على أمنهم وسلامتهم.
ويندرج محور وشعار احتفالية العام الحالي مع أهداف أجندة 2030 لتحقيق التنمية المستدامة، وبالتحديد الهدف الحادي عشر الذي يتضمن خلق مجتمعات آمنة ومستدامة لصغار السن من أفراد المجتمع، وهو ما سيساهم في تحسين صحتهم وسعادتهم بوجه عام، تماشياً أيضاً مع الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة. هذا بالإضافة إلى أن التأكيد على أن تلك الفضاءات الآمنة شاملة ومتضمنة للجميع، وهو ما سوف يساعد هؤلاء الشباب على المساهمة بشكل فاعل في التنمية الدولية، وسيساعد على تحقيق التوافق الاجتماعي والسلم.
وإذا دققنا النظر في صغار السن أو شباب دول المنطقة الأوروبية –حسب تقسيم منظمة الصحة العالمية لدول ومناطق العالم- فسنجد أنهم يتمتعون بصحة جيدة غير مسبوقة، إلا أنهم لا زالوا يواجهون تحديات عديدة. فعلى سبيل المثال، تتضمن هذه المنطقة دولًا، تعاني من معدلات انتحار بين المراهقين والبالغين هي الأعلى من بين دول العالم قاطبة، ما يجعل من خلق فضاءات آمنة ومريحة خلال هذه الفترة الحرجة من رحلة الحياة، خطوة بالغة الأهمية نحو منح أفراد هذه الفئة خبرات إيجابية، تساعدهم وتشجعهم على اتباع نمط حياة صحي، ينأى بهم عن السلوكيات الخطرة والضارة، ويقيهم من الاضطرابات النفسية والعقلية.
وجدير بالذكر هنا أن تقديرات البعض تشير إلى أن نصف أفراد الجنس البشري يتأثرون حالياً –بشكل مباشر أو غير مباشر- بالاضطرابات العقلية، والتي تترك وقعها السلبي على تقديرهم لذاتهم، وعلى علاقاتهم الاجتماعية والمهنية، وعلى قدرتهم على الأداء والإنتاج في حياتهم اليومية. كما أن من المعروف أن الحالة أو الصحة النفسية للشخص، يمكنها أيضاً أن تؤثر على صحته الجسدية، ويمكن أيضاً للاضطرابات العقلية أن تدفع بصاحبها تجاه مشاكل صحية أكبر كإدمان المخدرات والكحوليات.
وتتجسد أهمية الاضطرابات النفسية والعقلية في حياة المراهقين، في حقيقة أن قرابة نصف المشاكل النفسية يبدأ قبل بلوغ الطفل سن المراهقة، وهو ما يجعل من هذه الفترة فترة حرجة في نمو وتطور الشباب على الصعيدين النفسي والعقلي. وبخلاف الفضاءات الآمنة، نجد أن العامل الآخر الأساسي في الصحة النفسية للمراهقين والشباب، هو دعم ومساندة أصدقائهم وأقرانهم. وغالباً ما يحدث جل التفاعل الاجتماعي خلال هذه السن ضمن الحياة المدرسية، وهو الوقت الذي يمكن فيه للتجارب الاجتماعية الإيجابية أن تؤدي دوراً وقائياً فعالاً ضد العديد من المشاكل الصحية.
وعلى النقيض من ذلك، نجد أن المشاكل والاضطرابات النفسية والعقلية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتعرض للتنمر من قبل الآخرين، أو عدم القدرة على الإندماج بين الأقران، أو نتيجة فقدان الدعم والمساندة من قبل المدرسين. وتظهر بعض الدراسات أن 34 في المئة ممن هم في سن الحادية عشرة من الذكور، و24 في المئة ممن هم في سن الخامسة عشرة، تعرضوا للتنمر مرة واحدة على الأقل خلال الشهور القليلة الماضية. وهو ما يجعل من خلق فضاءات آمنة تتيح التواصل مع الزملاء والأقران، دون ضغوطات أو تعرض للتنمر بما في ذلك التنمر الإلكتروني، شرطاً أساسياً لتحقيق أفضل مستوى ممكن من الصحة النفسية والعقلية.