نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي، مقالاً بعنوان: «احتجاز مطار إسرائيلي ليهودي أميركي بارز يثير ضجة»، وركزت على المضايقات التي تعرض لها «بيتر بينارت» الكاتب الليبرالي والمعلق التلفزيوني البارز في أحد المطارات الإسرائيلية. وأشار المقال إلى عدد من اليهود الأميركيين الذين احتجزوا بصورة مماثلة وتم استجوابهم بسبب آرائهم السياسية في سياسات الاحتلال الإسرائيلي.
وبرغم أنني شعرت بالسرور لتعرض سياسات الاستجواب في المطارات الإسرائيلية للانتقاد، لكن ما أحزنني هو أن المقال لم يأت على ذكر المعاملة الأشد قسوة التي تمارسها إسرائيل منذ عقود، بحق الأميركيين من ذوي الأصول العربية الذين يسافرون عبر مطار «بن جوريون» أو يعبرون جسر «اللنبي». وأخفق المقال أيضاً في الإشارة إلى مدى مسؤولية الحكومة الأميركية عن وقاحة الحصانة التي تتمتع بها إسرائيل إزاء سوء معاملتها المتواصلة للمواطنين الأميركيين.
وربما يتذكر قراء مقالي، أنني قد تعرضت من قبل لمثل هذه المشكلة منذ أربعة عقود. فقد خضعت لساعات من الاستجوابات المذلّة والمحبطة من قبل مسؤولين إسرائيليين، عندما دخلت إلى هناك في عمل رسمي بصفتي رئيساً مشاركاً لمنظمة «بناء السلام»، وهي مشروع أسسه آنذاك نائب الرئيس الأميركي آل جور.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي، اطلعت على شكاوى مئات الأميركيين من أصول عربية لدى وزارة الخارجية الأميركية ممن سافروا إلى الأراضي المحتلة أو المقيمين هناك. وتضمنت الشكاوى تقارير عن «الاحتجاز لساعات من الاستجواب، ورفض الدخول، والإجبار على شراء تذاكر العودة إلى الوطن، والإجبار على تسليم جوازات السفر الأميركية، والاضطرار إلى الحصول على وثائق هوية فلسطينية على غير رغبتهم، ورفض السماح بالخروج، والتفتيش الذاتي، وسرقة المقتنيات أو تعمد إتلافها من قبل مفتشي المطار». وكثير من تلك القصص المهينة والمؤذية وقعت مؤخراً ونشرت على موقع المعهد العربي الأميركي. ولأن هذه الممارسات منهجية، فإن كثيراً من الأميركيين من ذوي الأصول الفلسطينية الذين تعرضوا لمثل هذه الممارسات القاسية امتنعوا عن الذهاب إلى الأراضي المحتلة.
غير أن المقلق على وجه الخصوص هو إخفاق وزارة الخارجية الأميركية في محاسبة إسرائيل على مثل هذه السلوكيات التي تشكل انتهاكاً سافراً لالتزاماتها تجاه الولايات المتحدة. ففي معاهدة الصداقة والتجارة والملاحة الأميركية الإسرائيلية الموقعة في 1951، تعهدت إسرائيل بالسماح إلى المواطنين الأميركيين بالسفر بحرية، والإقامة في الأماكن التي يختارونها، والتمتع بحرية الإرادة، وبأن تضمن لهم «أكبر قدر من الحماية والأمن». ومثلما يمكن أن يشهد كثير من الأميركيين العرب، خصوصاً من ذوي الأصول الفلسطينية، انتهكت إسرائيل هذه المعاهدة أكثر مما احترمتها.
وبدلاً من حماية مواطنيهم والإصرار على أن تحترم إسرائيل التزاماتها بموجب المعاهدة، زعم كثير من المسؤولين الأميركيين العجز، ومن ثم سمحوا لإسرائيل بوضع تصنيفات تمييزية للجنسية الأميركية، لاسيما بحق كل من يعارض سياساتها، إضافة إلى الأميركيين من أصول عربية. وقد عقدت اجتماعات مع وزراء خارجية أميركيين ومستشاري الأمن القومي، وقدمت لهم أدلة موثقة حول الانتهاكات الإسرائيلية. وقد أعربوا عن غضبهم وطمأنوني أنهم سيرفعون القضية إلى «أعلى المستويات» مع نظرائهم الإسرائيليين. وقد فعلوا ذلك، وعادوا بالتطمينات التي تلقوها.
لكن على رغم من كل ذلك، لم يستمر التمييز والإذلال المنهجي للأميركيين من أصول عربية فحسب، وإنما زاد سوءاً، بسبب لامبالاة الحكومة الأميركية بعد تكرار الانتهاكات.