عندما نعلم من وكالات الأنباء أنه سيتم في منتصف سبتمبر القادم؛ أي قبيل مناسبة حرب أكتوبر أو حرب «يوم الغفران» بالتقويم العبري، طرح فيلم «الملاك» للتوزيع بدور السينما، فلا بد أن يثور في أذهاننا تساؤل عن الدافع الملح الذي يدفع الأجهزة الإسرائيلية إلى إنتاج هذا الفيلم الذي يرتبط موضوعه بحرب أكتوبر 1973 في الذكرى السنوية الخامسة والأربعين لهذه الحرب.
لقد تم وضع سيناريو الفيلم على أساس الكتاب الذي ألفه أستاذ إسرائيلي في العلوم السياسة، وكان قبل ذلك ضابطاً بالمخابرات الإسرائيلية واسمه «أوري بار يوسف»، والذي يروج فيه لفكرة أن الموساد نجح في تجنيد أشرف مروان صهر الرئيس جمال عبد الناصر وسكرتير الرئيس السادات، وأن أشرف كان جاسوساً يعمل بإخلاص لمصلحة إسرائيل. عندما تمر على فصول الكتاب الثلاثة عشر تجد أن الفكرة المسيطرة على المؤلف هي محاولة نفي التصور الذي طرحه الجنرال «إيلى زاعيرا» رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية في فترة حرب أكتوبر، وهو التصور الذي قدمه في مذكراته التي نشرها بعد عشرين عاماً من الحرب ليدافع عن نفسه، ويبين أنه لم يكن يستحق العقاب الذي أنزلته به «لجنة أجرانات» بعد الحرب، وهي اللجنة التي شكلت لتحديد المسؤولين عن الهزيمة الإسرائيلية والتي يسمونها التقصير. لقد بين الجنرال زاعيرا في مذكراته أن الفشل المخابراتي في توقع موعد الحرب نتج عن الثقة الشديدة في جاسوس رفيع المستوى -لم يحدد اسمه - والتي أرساها في عقول قادة إسرائيل الجنرال تسيفي زامير رئيس جهاز الموساد والمسؤول عن تجنيد العملاء الأجانب وتشغيلهم خارج إسرائيل.
مع مرور الوقت أفصح الجنرال زعيرا لبعض الصحفيين والمؤرخين أن الجاسوس الذي يقصده هو أشرف مروان، وأن هذا الجاسوس لم يكن مخلصاً لإسرائيل كما كان يظن رئيس الموساد الذي كان يقوم بتشغيله، بل إنه كان عميلاً مزدوجاً يعمل لصالح مصر، ويضلل إسرائيل. طبقاً لرواية الجنرل «زاعيرا» رئيس المخابرات العسكرية الذي أطاحت به «لجنة أجرانات» من منصبه عام 1974، فإن المهمة التي كان أشرف مروان مكلفاً بها هي كسب ثقة المخابرات الإسرائيلية لصرف نظرها عن الموعد الحقيقي للهجوم المصري السوري في أكتوبر. كان هدف المصريين كما يرى الجنرال «زاعيرا» هو تمكين القوات المصرية والسورية من الاحتشاد لشن الهجوم دون أن تتعرض لضربة إجهاضية واستباقية من جانب إسرائيل. من الواضح أن هذه الرواية تتفق مع ما حدث من وقوع المفاجأة بالفعل، حيث احتشدت القوات السورية على جبهة الجولان بدءاً من يوم 13 سبتمبر، وبدأت الحشود المصرية بعدها في نهاية نفس الشهر أمام عيون أجهزة الرصد الإسرائيلية، ولتفتح نيرانها في توقيت واحد في الساعة الثانية بعد ظهر السادس من أكتوبر وتكتسح القوات المصرية خط بارليف وتعبر إلى سيناء، وتكتسح القوات السورية خطوط جبهة الجولان.
هذه الحقيقة تمثل فشلاً ذريعاً لأجهزة المخابرات الإسرائيلية التي كانت قد وعدت القيادة السياسية وقيادة الجيش أنها ستقدم لهما إنذاراً بنية العرب القيام بهجوم قبل وقوع الهجوم الفعلي باثنتين وسبعين ساعة على الأقل، ليتمكن الجيش من جمع قوات الاحتياط وتوجيه ضربة استباقية للقوات العربية تجهض الهجوم قبل حدوثه. الجنرال «زاعيرا» يوجه أصابع الاتهام إلى الموساد، ويرى أن أشرف مروان قد خدّر الجنرال زامير رئيس الجهاز وصرف نظر الجميع في إسرائيل عن نية الهجوم الذي نجح العرب في تنفيذه. أما الكتاب والفيلم فيحاولان عبثاً نفي هذا التصور وادعاء أن مروان كان مخلصاً لإسرائيل رغم حقيقة نجاح العرب في الهجوم.. وللحديث بقية.