دخلت العقوبات الأميركية المفروضة على إيران حيز التنفيذ في مرحلتها الأولى، وتتضمن فرض قيود على بيع العملة الأميركية لإيران، وقطاع السيارات، والتعاملات بالعملة الإيرانية، وشراء الذهب من إيران، وتجارة السجاد والمواد الغذائية الإيرانية وإجراءات أخرى. والمفترض بعد انقضاء 90 يوماً أن تبدأ المرحلة الثانية من العقوبات وتشمل الموانئ الإيرانية وسفنها، والبنك المركزي الإيراني، ومجالات أخرى.
وفي خضم ذلك التصعيد الأميركي ضد طهران، نلاحظ أمرين مهمين. الأول، تجاهل نظام الملالي العقوبات الأميركية وادعاءه أنها لن تؤثر على النظام الاقتصادي الإيراني طمعاً في وقوف بقية الدول التي أبرمت الاتفاق النووي بجانب طهران الأمر الذي شهدنا بوادره مع إعلان الاتحاد الأوروبي تفعيل «قانون التعطيل» من أجل الحد من تأثير العقوبات الأميركية على الشركات الأوروبية التي تريد الاستثمار في إيران. إذن نحن أمام طريق قد يمثل «طوق نجاة» للنظام الإيراني أمام العقوبات الأميركية، ولكن السؤال هو إلى متى ستظل حكومات الاتحاد الأوروبي صامدة في وجه قرار أقوى حلفائها العسكريين والاقتصاديين، وهي الولايات المتحدة الأميركية؟
أما الأمر الثاني، فيتضح في «غليان» الشارع الإيراني ضد نظام «الملالي»، إذ تستمر احتجاجات الغضب في العديد من المدن الإيرانية تمتد من شيراز في الجنوب إلى الأحواز في الغرب مروراً بقم في وسط إيران إلى طهران في الشمال ومشهد في الشرق وسط تجاهل النظام الإيراني لتلك الاحتجاجات. وللمرة الأولى منذ عقود أربعة يرفع المتظاهرون شعارات تدعو إلى سقوط نظام الملالي و«الموت لخامنئي» بدلاً من العبارة الشهيرة «الموت لأميركا».
وبالتالي، وفي ظل استمرار الإدارة الأميركية في التصعيد ضد إيران، نجد أننا أمام أمرين لا ثالث لهما: إما التغيير أو التدمير لإيران. والدافع لهذا الأمر ثلاثة سيناريوهات رئيسية. السيناريو الأول يتمثل في إمكانية استجابة النظام الإيراني لبعض مطالب الشعب وتغيير بعض الوزراء وتخفيف قبضة المرشد الأعلى على مقاليد الحكم، وفي حال تحقق هذا الأمر أتوقع ارتفاع سقف مطالب الشارع الإيراني واستمرار الاحتجاجات. والسيناريو الثاني يتضح في استمرار التعنت في سياسة القبضة الحديدية للمرشد الأعلى وأعوانه في وجه الشعب والعقوبات، وفي حال تحقق هذا الأمر أتوقع اندلاع ثورة شعبية عامة، ولا أستبعد تدخلا عسكراً محدوداً في بعض المناطق الإيرانية تحت ذريعة حماية الشعب الإيراني. وبرأيي فإن تحقق أي من هذين السيناريوهين، فإن ذلك سيؤدي إلى إحداث تدمير هائل للاقتصاد الإيراني، مما سينعكس على نظام الملالي.
أما السيناريو الثالث الذي قد يؤدي حال تحققه إلى إحداث التغيير في إيران، فهو نجاح الانتفاضة الشعبية والإطاحة بنظام الملالي. وهنا علينا أن نبحث عن إجابات لعدة تساؤلات جوهرية تحدد مستقبل إيران ما بعد «الملالي». وأول تلك التساؤلات هو هل هناك بديل إيراني لنظام الملالي؟ وهل حركة «مجاهدي خلق» مؤهلة وقادرة على قيادة إيران وتأمين دعم الشارع لها؟ ثم هل سيقوم أي نظام بديل للملالي بـوقف دعم الإرهاب والجماعات الإرهابية وأبرزها جماعة «الحوثي» و«حزب الله»؟ وهل ستنسحب إيران «الجديدة» من الساحة العراقية والسورية؟ وهل ستقوم «إيران الجديدة» بإنهاء احتلالها للجزر الثلاث- أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى- وإعادتها لسيادة دولة الإمارات العربية المتحدة؟ وهل ستمنح الإدارة الإيرانية الجديدة الحكم الذاتي أو الاستقلال لإقليم الأحواز العربي؟ وهل ستقوم إيران «الجديدة» بتغيير سياستها الخارجية التي تسعى للتوسع والتدخل في الشؤون الداخلية للدول؟ هل ستقوم إيران بإلغاء برنامجها النووي؟ وأخيراً، هل سنشهد حالة «استنساخ جديدة للخميني» ويأتي شخص إيراني من الخارج على متن طائرة غربية لقيادة إيران؟ شخصياً، فإني على يقين من أن إيران سواء مع الملالي أو غيرهم فإن سياستها التوسعية ودعمها للإرهاب لن يتغير الأمر والتاريخ أبلغ دليل على ذلك.