أين اختفى حلم العالم العربي الثقافي بإصدار موسوعة عربية مرجعية تضاهي الموسوعات الحديثة باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية أو الروسية؟ ولماذا نجح «الفارابي» في زمنه في إصدار كتاب موسوعي بعنوان «إحصاء العلوم»، تقول المراجع إنه «كان آية في عمق البحث»، وتوجد لحسن الحظ منه اليوم نسخة خطية في مكتبة "الإسكوريال" بإسبانيا، بينما تحول الجهد الموسوعي العربي إلى محاولات فردية أو مساع معرضة لكل مشاكل التأليف والطباعة والنشر العربية، والاعتبارات السياسية والممنوعات!
يقال إن أقدم ما يمكن أن يُدعى «دائرة معارف»، مجموعة لاتينية تم تأليفها عام 30 قبل الميلاد، ثم كتاب «التاريخ الطبيعي» الذي ألّفه «بليني الأكبر» (23 - 79) ميلادية، والذي اشتمل على العلوم والفنون.
ويقال إن الكتب الورقية والطباعة القرطاسية برمتها مهددة بالاندثار. ولكننا للأسف نعاني حتى على مستوى الـ «ويكيبيديا العربية».. في الإنترنت!
وقد أجرى مراسل «الشرق الأوسط» في نهاية العام الماضي مقابلة مع «جيمي ويلز»، مؤسس ورئيس الموسوعة الشهيرة، والتي هي اليوم أحد أهم 5 مواقع إلكترونية في العالم!
ويعتبر «ويلز» المحتوى العربي لموسوعته «أقل من المأمول». وتقول الصحيفة، إن رئيس الموسوعة يتمنى من العرب أن يضيفوا ما يمكن إضافته للعالم وللقراء، لأن «المحتوى العربي لويكيبيديا أقل مما نريد للأسف، والمجتمع الخاص به قليل، وما ينشر أو يتم تحريره قليل كذلك».
ويضيف ويلز: «اللغة العربية بها قوة وثراء لغوي، أيضاً هناك أمر مهم، وهو عدد الدول الناطقة بها والتنوع الثقافي في هذه الدول، وهذا ما نود أن نحصل عليه، ونتمنى أن تتضاعف جهودهم لإثراء محتوى «ويكيبيديا»، كما هو في اللغات الأخرى، لا أريد أن أخمِّن السبب، هل هو مرتبط بالترجمة وعدد الكتب الأكاديمية المترجمة إلى العربية أم سبب آخر.
بعض المتطوعين في ويكيبيديا يقولون، إن السبب يعود إلى الاهتمامات للشباب العربي وكثير منها رياضي، وليس أكاديمياً أو بحثياً، لكن هذا ليس سبباً حقيقياً وكافياً، فليس كل الناس في بريطانيا مثلاً أكاديميين! وهناك مقارنة قديمة عن الترجمة بين الألمانية والعربية، وأن مجموع ما يترجم يومياً إلى الألمانية يعادل ما يترجم سنوياً للعربية». (18-12-2017).
ويحذر الرئيس اعتماد معلومات الموقع بشكل مطلق ويقول: حين بدأنا الموقع في 2001، «لم يكن هدفنا أن نصبح مرجعاً أكاديمياً، لكن من المهم أن نسهم في إثارة التساؤلات لا أن نوجد الإجابة، وليس هدفنا كذلك أن نتحول لمرجع أكاديمي للباحثين في الكليات، قد يستخدم الباحث الموسوعة لقراءة معلومة معينة أو الإطلاع عليها، لكن ليس للجزم بها واستخدامها والاقتباس منّا والإشارة إلينا في بحثه».
وهذا بلا شك تصريح ثقافي بالغ الأهمية والخطورة! ولهذا تساءلت الصحيفة «هل يعني هذا أن الموسوعة لا قيمة لها»؟ وتقول إن «ويلز» يرفض التقليل من حجم العمل والجهد المبذول، ويقول إن القائمين عليها ومشرفي التحرير يسعون لأكبر قدر ممكن للوصول إلى الدقة والكمال والجودة، «لكن لا يمكن القول إن الموسوعة مرجع أكاديمي أو بحثي. مع كل هذا التشكيك، هُناك من يستخدمنا مصدراً إلى حد معين، ولكن كمصدر أكاديمي، لا أظن إننا نسعى لذلك».
ويوجه «ويلز» خطابه للصحافيين، فيقول: «إن ويكيبيديا، هي المكان المناسب للعثور على الأسئلة لا الأجوبة». نحن في الثقافة العربية أمام ورطة حقيقية في دنيا المعاجم والمعلومات.
فالبشرية بمختلف ثقافاتها ولغاتها في تقدم مستمر وبخطوات متسارعة، بينما نسير نحن بنفس السرعة في الاتجاه المعاكس، أو إلى الوراء!
هل نستطيع إدارة ظهورنا للعصر وللثقافة الإلكترونية، بينما ينتقل العالم كله إلى «العالم الرقمي» والإلكتروني؟ بدأت أولى محاولات الثقافة العربية الحديثة في دنيا الموسوعات مع «دائرة معارف» بطرس البستاني في لبنان، عندما نُشرت المجلدات الستة الأولى ما بين 1876 - 1883. ثم أخرج سليم البستاني المجلدين السابع والثامن عام 1883 و1884، وأنجز «نسيب» و«نجيب» ابنا بطرس المجلدات 9 و10 و11 بالاشتراك مع سليمان البستاني.
وفي 1954 أخذ «فؤاد أفرام البستاني» يعيد النظر في المجلدات التي نُشرت تمهيداً لإتمام العمل، وذلك بالاشتراك مع لجنة من العلماء في لبنان، وبدأ في إصدارها في صورة جديدة منذ 1956، وأصدر منها تسعة مجلدات. (أنظر الموسوعة العربية الميسرة، الطبعة الثانية 2001 مادة «موسوعة»). عذاب الموسوعة نفس عذاب لبنان!
اللافت أن الحركات القومية والتيارات السياسية في دول أوروبية وآسيوية عديدة نجحت في إصدار العديد من الموسوعات، بل لم يعد ناشرو الموسوعات يركزون اهتمامهم لإخراج الموسوعات العامة فقط، بل وجهوا جهودهم أيضاً نحو إخراج موسوعات تختص بفرع واحد من فروع المعرفة، كالموسوعات الفنية ومنها «موسوعة الفن الألمانية» في 35 مجلداً، وموسوعة العلوم الاجتماعية و«موسوعة الأديان والأخلاق» الشهيرة Encyclopaedia of Religion and Ethics، والتي تتناول أدق التفاصيل عن الأديان والشعائر والمذاهب. أما في العالم العربي، فقد اقتصرت نهضتها القومية والوطنية على محاولات موسوعية فردية وبسيطة. وقد أصدرت دول إسلامية، مثل إيران، وربما تركيا موسوعات إسلامية ثرية المادة، بينما لم نوفق حتى في إصدار ترجمة كاملة محترمة لدائرة المعارف الإسلامية، التي أصدرها «المستشرقون» في لايدن بهولندا بالإنجليزية والفرنسية والألمانية.. وتركوا العربية في حسرتها!