أحيت إيران يوم الأربعاء الماضي احتفالها السنوي بالصحافة الذي يُطلق عليه «يوم الصحفيين». وهذا الاحتفال يوضح أن طهران تطمح في تقديم نفسها في صورة ليست حقيقية بالتأكيد، وهي أنها دولة نيابية وشفافة ومتسامحة. والاحتفال يحيي ذكرى يوم الثامن من أغسطس عام 1998 حين هاجم مقاتلو «طالبان» القنصلية الإيرانية في مدينة مزار الشريف في أفغانستان واختطفوا عشرة دبلوماسيين إيرانيين وصحفياً يعمل لصالح وكالة الأنباء الإيرانية وقتلوهم. وتنظم السلطات كل عام الاحتفال في واحدة من القاعات الكبيرة في طهران. وتلقي شخصيات بارزة كلمات وتُقدم جوائز للصحفيين في مجالات الصحافة المطبوعة والمصورة من أصحاب العمل المتميز، على الأقل في نظر السلطات القائمة. والمتحدثون هم أنفسهم بالطبع المسؤولون الذين دأبوا على الاستخفاف بالأعراف الدبلوماسية وحرية الصحافة. وهذا النفاق يضرب بجذوره في عمق النظام الديني الحاكم في إيران الذي يطالب بالتزام ظاهري بقواعد يتجاهلها غالباً الممسكون بمقاليد السلطة.
ورغم كل هذا، يجب علينا انتهاز الفرصة لنقر بأن هناك صحفيين إيرانيين مازالوا متمسكين بتزويد الجمهور بالحقائق على حساب تعريض أنفسهم للخطر في الغالب. وهناك عدد كبير من الصحفيين في البلاد سواء كانوا أجانب أو محليين مازالوا متمسكين بفهم وتفسير مجتمع من الصعب للغاية إمكانية الوصول إلى المعلومات فيه. ويستحق الصحفيون الأمناء والجادون في عملهم في إيران قدراً أكبر من الإشادة والاحترام لعملهم في دول تعرقل في الغالب التدفق الحر للمعلومات.
ورغم أن أدوار الصحفيين في إيران يجري تجاهلها في الغالب لكن دورهم أساسي في إلقاء الضوء على واحد من أكثر المجتمعات غموضاً على وجه الأرض. فداخل إيران هناك عشرات الصحفيين، من بينهم كاتب هذه السطور، اعتقلوا لاتهامهم زوراً بأنهم تعاونوا مع حكومات أجنبية. ولم يعرقل أي شيء- سواء كان الهواتف الذكية أو مواقع التواصل الاجتماعي التي قلصت فعالية الرقابة- الحملة القاسية لإسكات صوت الصحفيين. حتى في التصور الكابوسي الذي رسمه الكاتب الانجليزي الشهير جورج أورويل في روايته «1984» كان هناك دوماً من يتحدون القوانين سعياً وراء الحقيقة. ومن واقع خبرتي، هناك عدد كبير من هؤلاء أكثر مما قد يظن المرء.
والواقع أن جانباً كبيراً مما نعلمه عن إيران يأتي من صحفيين يعملون في المنافذ الإعلامية التي تديرها الدولة والذين يتمتعون بإمكانية دخول غير مقيدة للمعلومات- من تقارير حكومية أو صور عن الفساد والقمع- وهي معلومات يُجبرون على فرض رقابة عليها قبل نشرها إلى الجمهور. ففي عام 2009، وبعد اضطرابات واسعة النطاق بشأن إعادة الانتخاب المتنازع عليها للرئيس محمود أحمدي نجاد، ظهرت غنيمة كبيرة من الوثائق والصور والمقاطع المصورة التي أكدت قمع الدولة الوحشي. وهذا النوع من المواد لا يأتي إلا من أرشيف الدولة الذي يخترقه موظفوه. ومثل هذه التسريبات تستمر بهدوء لكن بلا انقطاع.
وهؤلاء الصحفيون يعملون في ظل مخاطر كبيرة على شخصياتهم وفي مقابل مكافأة قليلة. والصحفيون الإيرانيون المخلصون يواجهون ضغوطاً كبيرة من الدولة التي تسيطر بشدة على إمكانية الدخول للمعلومات وتهددهم صراحة وضمناً. وقناة «الأنباء» الإيرانية التلفزيونية التي تديرها الدولة تطعن في التغطية التي ترى فيها تهديداً عن طريق بث اعترافات اُنتزعت قهراً من صحفيين ومحتجزين آخرين.
واستهدفت السلطات الإيرانية، على سبيل المثال، فريق عمل الخدمة الفارسية في هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي.) وأسرهم عن طريق عرقلة قدرتهم على إجراء تحويلات مالية. وهذا ليس جديداً. فقد تحرش النظام لسنوات صحفيين إيرانيين يعيشون ويعملون في الخارج. وفي الوقت نفسه، ينشر النظام وبعض أنصاره دعاية وصيغاً أخرى للأنباء الزائفة على برنامج «تليجرام» لتبادل الرسائل الذي يتمتع بذيوع كبير وسط الجمهور مما يقلص تأثير أي تغطية صحفية دقيقة.
وجاء في تقرير «منظمة مراسلون بلا حدود» عن إيران العام الجاري «النظام وسع حربه ضد حرية الإعلام فيما يتجاوز حدود البلاد ويستهدف أيضاً وسائل الإعلام الدولية». وأدرج تقرير المنظمة السنوي عن مؤشر حرية الصحافة الإيرانية في المرتبة 164 من بين 180 دولة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»