بينما تتواصل فوضى «بريكست»، أجدني حائراً إزاء عداء أنصار «بريكست» للمقترح الذي تحاول «تيريزا ماي» تسويقه في الداخل وأمام الاتحاد الأوروبي. والحقيقة أن تحالفاً داخلياً غريباً لأنصار الانسحاب المتشددين وأنصار البقاء يستطيع عرقلة مخططات «ماي»، بغض النظر عن الطريقة التي سيرد بها الاتحاد الأوروبي – والنتيجة قد تكون بالفعل «بريكست من دون اتفاق».

أنصار الانسحاب المخلصون قد يتساءلون: «وما العيب في ذلك؟». ولكن الجواب بسيط، مثلما ينبغي أن يروه. ذلك أن وقف «بريكست مع اتفاق» سيكون أصعب من وقف «بريكست من دون اتفاق». ومساعدة «ماي» على إحراز تقدم بخصوص ما يعتبره معظم أنصار الانسحاب تنازلا بائساً من شأنه أن يخدم قضيتهم ويدفع بها إلى الأمام عبر زيادة احتمالات «بريكست» دائمة.
الصحافي «وولفغانغ مونتشو» حاجج بالعكس مؤخراً في عمود له في صحيفة فاينانشيال تايمز حيث قال إنه لا توجد طريقة معقولة للانتقال من «بريكست من دون اتفاق» إلى إلغاء بريكست كلياً، مثلما قد يأمل أنصار البقاء؛ ولهذا، فإنه يعتبر أن مداعبتهم لهذه النتيجة إنما تنم عن قصر نظر. ولكني أعتقد أن هذا خطأ. فلا شك أن «بريكست من دون اتفاق» تمثل شيئاً محفوفاً بالمخاطر بالنسبة لأنصار البقاء، للأسباب التي شرحها مونتشو؛ والانتقال من «لا اتفاق» إلى إلغاء الأمر كلياً لن يكون شيئاً صريحاً ومباشراً. ولكن الطريق من «بريكست مع اتفاق» إلى وقف «بريكست» سيكون أكثر صعوبة. وبالتالي، فإن «بريكست من دون اتفاق» تمثل خطراً أكبر لأنصار الانسحاب منه لأنصار البقاء.
ولكن لا بد من أخذ شيء في عين الاعتبار. فمخطط «ماي»، أو شيء يشبهه، سيلحَق باتفاقية الانسحاب (وبمشروع القانون الذي سيجعله قانوناً في المملكة المتحدة) كبيان نوايا فقط بخصوص مفاوضات مرحلة ما بعد «بريكست» حول علاقات التجارة المقبلة، ولن يحل شيئاً. وحتى في حال لم يرفضه الاتحاد الأوروبي أولاً، فإن أنصار الانسحاب سيكونون أحراراً في معارضة الأجزاء التي لا يحبونها من المخطط في الوقت المناسب – ولاسيما فكرة الإبقاء على المملكة المتحدة داخل السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي للسلع، والذي يتطلب قوانين مشتركة لن يكون للمملكة المتحدة أي دور في وضعها. وفي الأثناء، ستكون بريطانيا قد غادرت الاتحاد الأوروبي، وبطريقة سلسة نسبياً. خروج سلس، أي ترك المملكة المتحدة في السوق الموحدة لفترة انتقالية محدودة، لن يدفع أنصار الانسحاب إلى تغيير آرائهم. بل إن الآراء قد تسير في الاتجاه الآخر. والانضمام من جديد إلى الاتحاد الأوروبي بعد مغادرة بريطانيا له من شأنه أن ينطوي على عملية انضمام متعبة ومذلة من المرجح أن تحرم المملكة المتحدة من امتيازات تتمتع بها حالياً. وبشكل عام، يمكن القول إن انسحاباً منظماً ومرتباً من شأنه أن يقوّي بريكست ويرسّخها بشكل جيد.
وعلاوة على ذلك، فإن أنصار البقاء ما زالت لديهم فرصة لوقف بريكست في حال واصل المشروع انزلاقه إلى الفوضى. وأنصار البقاء محقون في أن «بريكست من دون اتفاق» ستتسبب في مشاكل وتعقيدات كثيرة.
كما أن هزم ماي في مخططها من شأنه أن يدفع المشهد السياسي البريطاني أكثر إلى الفوضى. وبالنظر إلى أخطائها وتراجعاتها المتسلسلة، فإن قدرة ماي على التمسك بزعامة حزبها (إن جاز لنا أن نسميها زعامة) كانت مبهرة. ولكن لا بد أن ثمة حدوداً لذلك، وهزمُ مخطط انسحابها في البرلمان من شأنه بكل تأكيد القضاء عليها كرئيسة للوزراء. وقد تعقب ذلك انتخاباتٌ جديدةٌ؛ ووسط تفاقم هذه الفوضى والشلل الحكومي، قد تكتسب فكرة استفتاء ثانٍ قوة وزخماً. وعلى أنصار البقاء أن يقنعوا الناس بأن البريكست ستؤلمهم – وبالتالي، فإنه كلما كانت مؤلمة، وكلما حدث ذلك مبكراً، كلما كان ذلك جيداً لأهدافهم.

*كاتب وصحافي بريطاني

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»