ولاية البنغال الغربية واحدة من أكثر ولايات الهند سكاناً وفقراً. وسكان الولاية مثل سكان ولايات الهند الأخرى يهاجرون إلى الولايات الأخرى بحثاً عن العمل ولقمة العيش. وهناك عدد كبير من الأشخاص الذين يتحدثون اللغة البنغالية في ولايات الشمال الشرقي مثل آسام وتيري بورا ومانيبور وغيرها. وهجرة سكان البنغال الغربية إلى ولاية آسام شجع عليها البريطانيون أثناء حكمهم للهند ليكونوا عمالاً في مزارع الشاي لأن أجورهم منخفضة بسبب فقرهم. وأغلبيتهم مسلمون عاشوا في ولاية «آسام» لأجيال. ومع مرور الوقت اختلطوا بسكان «آسام» المحليين من خلال الزواج ووسائل التجانس الأخرى وحققوا بعض الرخاء.
وأثناء حرب بنجلاديش وانفصالها عن باكستان عام 1971، فر ملايين من البنجال من بلادهم ولجؤوا إلى هذه الولايات الواقعة شمالية شرق الهند. وبعد الحرب وإعلان بنجلايدش استقلالها عاد هؤلاء اللاجئون إما طوعاً أو أُجبروا على هذا. وهناك مزاعم مفادها أن كثيرين من هؤلاء اللاجئين لم يرجعوا إلى بنجلاديش، ولذا قررت حكومة الهند أن تنقح قوائم المسجلين في «المكتب القومي لتسجيل المواطنين» على امتداد ولاية «آسام»، وألا تدرج في هذه السجلات إلا الأشخاص الذين يستطيعون إثبات أنهم كانوا متواجدين في «آسام» قبل مارس عام 1971، أي قبل تدفق اللاجئين. لكن الحكومات المتعاقبة سارت في العملية ببطء لأنها عملية حساسة وذات شجون وتطال ملايين المسلمين المقيمين في الولاية منذ قرون، واحتمال أن تتمخض عن طائفة كبيرة من الناس لا يحملون أي جنسية.

وفاز حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي الذي يحكم البلاد بانتخابات المجلس التشريعي في «آسام» لأول مرة في تاريخه في حملة جريئة عام 2016 اعتمدت على الوعد بالتخلص من السكان غير الشرعيين وترحيلهم إلى بنجلاديش. وأسرع الحزب الخطى في عملية تنقيح قوائم المسجلين لدى المكتب القومي لتسجيل المواطنين، وأصدر مسودة بقائمة من هذا النوع، مما أدى إلى عاصفة سياسية واجتماعية كبيرة في الهند. والقائمة التي تؤكد الحكومة أنها ليست إلا مسودة تهدد بأن تجرد نحو أربعة ملايين غالبيتهم من المسلمين من الجنسية رغم أنهم وأسلافهم عاشوا طوال حياتهم في الهند. وتجلت الفوضى واضحة في الممارسة لأن أفراداً من أسرة الرئيس الهندي السابق فخر الدين على أحمد لم تُدرج أسماؤهم في القائمة. وهناك آلاف من الهنود البارزين من بينهم صحفيون ومسؤولون رفيعو المستوى ومعلمون لم تشملهم القائمة. وهذه الممارسة البائسة تهدد بأن تنتج أكبر عدد من الناس الذين بلا جنسية في العالم.
والمكتب القومي لتسجيل المواطنين يثبت الآن أنه أداة يحشد بها حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم جموع ناخبيه من الصفوة والطبقة الوسطى في آسام الذين يخشون استقرار البنجاليين في الولاية، ويعتقدون أن البنجاليين يهددون هويتهم الثقافية. والحزب الهندوسي اليميني يستخدم بوضوح المكتب كأداة للاستقطاب قبل الانتخابات الاتحادية التي تجرى عام 2019. والحزب يأمل أن يعود إلى السلطة لفترة ولاية ثانية والاستقطاب هو إحدى وسائله التي يفوز بها بأصوات ويكسب رضا ناخبيه.
العدد الأكبر المستبعد من القائمة من المسلمين، وهذا يُرسي سابقة خطيرة لمناطق أخرى من البلاد. فبعد حالة ولاية آسام، ظهرت مطالبات حالياً من القوميين الهندوس بأن يُطبق إجراءً مشابه في ولايات أخرى في البلاد مما أثار حالة من الهلع وسط الأقليات التي يستهدفهم هذا الإجراء.
ولم يجر بعد مناقشة السؤال التالي: ما الذي سيحدث لمن لم تشملهم القائمة بمجرد أن يجري الانتهاء منها؟ فالسبب في هذا الإجراء هو ما يطلق عليه الهجرة غير الشرعية من بنجلاديش لكن لا يحتمل أن تستقبل بنجلاديش أياً من هؤلاء الأشخاص الذين ليس لديهم وثائق. والحكومة الهندية تؤكد أن العملية هدفها تحديد المهاجرين البنجال غير الشرعيين، لكن ماذا بعد أن يتم تحديد الأشخاص الذين ليسوا من سكان آسام؟

ولن تُحل القضية بسهولة. فمن الواضح أن هناك عملية استئناف مطولة تجري وسيظل ملايين الأشخاص يعيشون في حالة من الغموض حتى يجري التوصل إلى قرار نهائي، وبالإضافة إلى هذا، فان ما يحدث في آسام يتردد صداه في أجزاء أخرى من البلاد. وما أخشاه أن يتحول الإجراء إلى قنبلة مشاكل موقوته قد تفاقم الفرقة في الهند على أسس دينية.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.