يزيد الحديث الآن عن أهمية تعزيز التعاون بين دول التحالف الأربع في المجال الإعلامي بما يتطلبه من تخطيط وتنسيق المواقف والسياسات، وتعزيز التواصل وتبادل الأخبار والأفكار ووضع السياسات.
والقائمون على الإعلام يدركون أن المهمة التي تقع على عاتقهم كبيرة ولا تقل أهمية عن المهمة العسكرية، فالحرب الحديثة فوق أنها مواجهات بالسلاح، فإنها حروب الكلمة ومواجهات بالإعلام.
وهناك حقيقة يعرفها الاستراتيجيون المتخصصون في قضايا الأزمات والحروب تقول بأن حجم ما يُقال (المكلمة) أيام الحرب يكون أضعافاً مضاعفة، عما يُقال في أيام السلم، ومن ثم فالمهمة الملقاة على عاتق الإعلام الحربي، وعلى أفراد الجيش الموازي أو جيش الإعلاميين تكون مضاعفة، والمسؤولية أكثر خطورة وحساسية.
وإذا كانت المهمة صعبة في الحروب العادية، فإنها تكون أشد صعوبة في الحرب الدائرة في اليمن. ففي ظل انعدام النسق الثقافي والسياسي يطيش الكثير من الطلقات الإعلامية الموجهة للآخر؛ فالدعاية تزدهر والحروب النفسية تزداد اشتعالًا، وحملات التشكيك تتضاعف للتشكيك في موقف العدو دون هوادة. وإذا كان قادة الحروب يلجؤون في العادة للمبالغة في الانتصارات، فإن الآلة الدعائية «الحوثية» تمارس الجذب وتدعي الانتصارات ولا تتورع عن تجنيد اتصاليين من محترفي الزيف وتشويه الحقائق والقادرين على صناعة الأخبار والسيل المتدفق من البيانات الملفقة والتغطيات الوهمية والتحليلات المخادعة، ولدى وسائل الإعلام «الحوثية» الإيرانية خبراء في مثل ذلك الإعلام الأسود يصعب حصره.
فقد حشدت إيران خبراتها للدعاية الرخيصة التي تحرص على إشاعتها طوال تاريخها، وحتى الآن. والأمر يبدو سهلاً وقابلاً للاحتمال، إلا أن المعضلة الحقيقية تكمن في حالة التوهان الذي نلمحه في مواقف بعض الشخصيات المحسوبة على الشرعية والتحالف الذين ينجرفون وراء الأخبار الملفقة والدعاية السوداء التي تبثها الشبكات المعادية، وتجد هوى لدى بعض الأشخاص فيقعون أسرى للدعاية «الحوثية» والإيرانية. ولدينا نماذج نسوقها كأمثلة على بعض ضحايا الدعاية «الحوثية»، وهم بيننا وبمقدورهم المقارنة بين ما يُقال ويتردد في الخطاب الدعائي «الحوثي» وبين ما هو واقع فعلي في الميدان.
نحن نعلم جميعا «أن الحرب لا تدور في فراغ فكري وإعلامي، والتحاور بالسلاح يستوجب الاهتمام بكل ما هو فكر وإعلام. فمنذ اليوم الأول لحملات «جوبلز»، مهندس الحرب الإعلامية لحساب هتلر، اندفع الناس لوضع الخطط الدعائية التي تصاحب المواجهات العسكرية في جبهات القتال. وفي الحرب الجارية في اليمن وضعت إيران و«حزب الله» وأتباعهما في العراق وسوريا كل إمكاناتهما الدعائية في خدمة «الحوثيين»، وجيّشوا كل ما لديهم من طاقات إعلامية لا يستهان بها، للتشكيك في موقف المقاومة وقوات التحالف وقدرتهم على حسم المعركة وتصويرهم كذباً لانتصارات ما أنزل الله بها من سلطان.

آلة الاتصال الحديثة وما توفره من مصادر هائلة للمعرفة، وما تعرضه من خيارات مطلقة للحصول على المعلومات، وما نجحت فيه من إلغاء لاحتكار السلطة وأجهزة الرقابة وحراس البوابة، وما وفرته من امتيازات وحرية مطلقة للفرد مكنته من أن يعمل فيها ضمن ديناميكية هذا الاتصال، متلقياً ومرسلاً، قارئاً وصحفياً، مشاهداً ومراسلاً، مذيعًا ومستمعاً في وقت واحد.
تطبيقات النظريات والسياسات الإعلامية تجد ضالتها في أوقات الحروب، فليس هناك نماذج لاحتشاد الجمهور الإعلامي، كما هو الحال في احتشادات الناس في أوقات الحروب. والقدرات البشرية للخبرات الإعلامية، ومن يمارسون العمل الميداني فيه كمثل إعلام الحروب، من حيث إنه المحك الحقيقي لإثبات قدراتهم في الإحاطة والتطبيق.
المسؤولية كبيرة وثمنها فادح، وفِي ظل العلاقات الدولية الحديثة، وفِي ظل تزايد حجم جماهير الإعلام وبحساب العدد المهول من وسائل الإعلام العالمية، وباتساع الأفق الإعلامي الذي حوّل العالم إلى قرية صغيرة بحجم «لاب توب»، وحتى بحجم هاتف ذكي تكون المهمة، ويكون التحدي، ولا عزاء للأدعياء.
أضحت مهنة الإعلام كالطب تكشف صاحبها، وربما يدعي أحدهم التخصص والمهارة، ولكنه لا يلبث أن يتعثر عند أول اختبار. ومع أن الإعلام ظل ساحة واسعة، فإن التحديات الكبرى التي رافقت ثورة الاتصال وضعت الإعلام في مصاف الخدمات الطبية، على اعتبار أن الرسالة الإعلامية وصفة لعلاج أمراض اجتماعية وسياسية استعصت على الكثير. ولا يجوز لأحد الجزم بأن بعض الثرثرات التي نسمعها، وندّعي أننا نلم بتفاصيلها تندرج ضمن الإيجابيات المرصودة لثورة الاتصال.
هناك ثمة شروط موجبة وضرورية، لا بد أن تتوافر في الأشخاص المؤهلين للتفاعل الإيجابي ضمن المنظومة المعلوماتية الجديدة، وأولها على الإطلاق عامل الوعي والإدراك والبناء الذاتي والمستوى التعليمي والقدرات العقلية، ووضوح الرؤية والرأي، وهي كما نرى شروط ينبغي أن تدخل ضمن معايير الاختيار لممتهني الإعلام.
*أكاديمي وخبير إعلام- الإمارات