ينطوي حديث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن الأزمة التي يمر بها الوطن العربي على أهمية كبيرة جداً، ليس لأنه -كما يقال- وَضع الأصبع على الجرح فقط؛ ولكن لأن هذا الحديث يأتي في سياق يشهد فيه عالمنا العربي تطورات وتحديات غير مسبوقة؛ سبب وجودها في الأساس، وكذلك تفاقمها، هو ما تحدث عنه سموه؛ حيث طغت السياسة على ما سواها، ففسدت الأخلاق وتبددت الموارد: «لدينا فائض من السياسيين في العالم العربي، ولدينا نقص في الإداريين.. أزمتنا أزمة إدارة وليست موارد.. انظر للصين واليابان لا يملكان موارد طبيعية أين وصلا.. وانظر لدول تملك النفط والغاز والماء والبشر، ولا تملك مصيرها التنموي.. ولا تملك حتى توفير خدمات أساسية كالطرق والكهرباء لشعوبها».
فالأزمة التي يعيشها وطننا العربي بالتأكيد ليست أزمة موارد؛ فالعالم العربي ككتلة هو المنطقة الأكثر غنى وتنوعاً في الموارد في العالم. فهو يمتد على بقعة جغرافية شاسعة؛ كما يضم موارد طبيعية ضخمة بكل المقاييس، ففي مجال الطاقة الحيوية للاقتصاد العالمي هناك النفط والغاز وبكميات هائلة؛ وفي مجال الزراعة وبغض النظر عن تراجع الاهتمام بها، فهو ينتج معظم المحاصيل الزراعية، كما يتصدر العالم في بعض المنتجات؛ وفي مجال السياحة تنوع لا يوجد في غيره أبداً، ويكاد يكون المنطقة الوحيدة في العالم التي تضم إرث كل الحضارات القديمة والحديثة؛ وفيما يتعلق بالموارد المائية، فهو الأغنى عالمياً، حيث يطل في معظمه على البحار والخلجان والمحيطات، وفيها أجود أنواع اللؤلؤ والمرجان، كما يوجد فيها الكثير من المعادن؛ أما فيما يتعلق بموقعه الجغرافي، فهو استراتيجي بامتياز، حيث يتوسط العالم، ويربط قاراته، كما يوجد فيه أهم الممرات المائية في العالم؛ وفي مجال الموارد البشرية فهو مجتمع شاب مملوء، بل ومكتظ، بالكفاءات والمؤهلين.
إذن فالوطن العربي غني، وغني جداً بالموارد؛ ولكنه بالمقابل من أكثر المناطق التي تعاني الفقر والحرمان وفقدان التنمية؛ بل والأكثر من حيث عدم الاستقرار وانتشار النزاعات والصراعات. وإذا ما استثنينا بعض الدول القليلة جداً التي تمكنت من تحقيق مستويات تنمية بشرية عالية وحققت نهضة مشهودة بكل المقاييس العالمية، فإن غالبية الدول العربية فيها نسب فقر عالية، حيث بلغت في بعضها معدلات قياسية؛ وتعاني البطالة، حيث وصلت في بعضها إلى معدلات عالية وتنذر بمخاطر حقيقية إذا لم تحل؛ وتنتشر فيها الأمراض، حيث يوجد في بعضها أعلى نسب الأمراض على مستوى العالم؛ بل تنتشر فيها أوبئة تخلص منها العالم منذ عقود. والسؤال المطروح دائماً وأبداً: لماذا؟ وما الأسباب؟
لقد كُتب الكثير عن سبب تخلف العالم العربي، وعقدت عشرات، بل مئات المؤتمرات التي تناقش مشاكل التنمية بما فيها الفقر والبطالة؛ وتم الحديث عن الكثير من الأسباب، منها يتعلق بالاستعمار الذي مضى عليه عقود ولم يرجع؛ ومنها ما يتعلق بالاستبداد، ومنها ما يتعلق بسوء الإدارة والفساد. ولكن كثيراً ما يتم تجاهل عوامل مهمة إن لم تتسبب بالمشكلات فهي لم تحلها، بل وفي معظم الأحيان فاقمتها، ألا وهي سيطرة السياسيين، وغلبة الجوانب السياسية، حتى في المجالات التي لا يمكن أن يفيد فيها إلا المختصون وأصحاب الخبرة مثل الاقتصاد والتجارة والصناعة؛ وحتى عندما يتم توظيف الكفاءات في هذه المجالات؛ فغالباً لا يتركهم السياسيون وشأنهم فيتدخلون في أعمالهم وفي كثير من الأحيان يفسدونها. وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم؛ «في عالمنا العربي.. السياسي هو من يدير الاقتصاد، ويدير التعليم، ويدير الإعلام، ويدير حتى الرياضة!»
ولا يحتاج المواطن العربي إلى الكثير من التفكير لقبول ما تحدث عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم؛ بل لو أجرينا استفتاء بين الشعوب العربية من الشرق إلى الغرب لوجدنا تأييداً كاسحاً لهذا الرأي؛ فهو في الحقيقة ينطق ومن واقع الخبرة وما علمته الحياة، بما يعتقدون؛ فالسياسة وبمعنى أدق السياسيون في عالمنا، أفسدوا في كثير من الأحيان ولم يصلحوا؛ وبدلاً من أن يقوموا بوظيفتهم الحقيقية في «تسهيل حياة الاقتصادي والأكاديمي ورجل الأعمال والإعلامي وغيرهم..» و«تسهيل حياة الشعوب»، يفتعلون الأزمات ولا يسعون لحلها؛ ويهدمون المنجزات بدلاً من أن يقوموا بدعمها وتوفير كل السبل التي تحقق المزيد منها.

 *عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.