بعض المواقف مما يحدث في البحر الأحمر تبدو غريبة بل تدعو للعجب؛ فبقدر ما القرصنة «الحوثية» واضحة في تهديدها الملاحة في هذا الممر المائي الحيوي، تأتي ردود الفعل من بعض الدول غامضة وغير مفهومة في أكثر من جانب، بل يمكن وصفها أنها مترددة، ليشعر المراقب معها أن هنالك قدراً كبيراً من الشك في أن الصورة التي يجري نقلها إلى المجتمع الدولي ثمة من يقوم بتشويهها عمداً في نقطة ما في الطريق، الأمر الذي يجعل من الإجراءات الدولية المُفترض اتخاذها إما غائبة أو ناقصة أو تكون مترددة في أحسن الحالات، ما يطيل من أمد الحرب ومن معاناة الشعب اليمني واستنزاف موارده البشرية والمالية، وبقاء حالة اللا استقرار على حالها في هذا الجزء الحيوي من العالم. من الذي يشوّه الصورة، وأين يحدث هذا الاختراق، وكيف؟ وإلاّ فما الذي يجعل استجابة المجتمع الدولي ضعيفة، أو ليست بالقدر الذي تقتضيه مجريات الأحداث في اليمن؟ ألا تبدو المسألة أنها نوع من الازدواجية في التعامل مع ما يجري على الأرض، وآخرها الاعتداء على ناقلات نفط وتهديدات الملاحة في البحر الأحمر؟ لنضرب مثالاً على ذلك: بعد سقوط نظام سياد بري في الصومال عام 1990 أصبحت شواطئ الصومال البالغة 3700 كم مرتعاً للشركات، والعصابات المحلية والدولية، التي تعمل وفق خطة، كما بينت التقارير لاحقاً، تهدف إلى رمي النفايات النووية والكيماوية المحرّمة دولياً، وإلى قرصنة السفن السياحية والتجارية وناقلات النفط وسفن الصيد. ومع تنامي ظاهرة القرصنة قبالة شواطئ الصومال وفي باب المندب، قبل أن تمتد إلى 200 كم في عمق المحيط الهندي، تنبّه المجتمع الدولي لها فهرع العالم حينها إلى تجييش الحلف الأطلسي (الناتو) بقيادة أميركا، وانضمام روسيا، وبعد اجتماع لوزراء الدفاع الغربيين عقد في فرنسا عام 2008، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارين معززين لتلك الجهود الطارئة، الأول 1816 والثاني 1836 يجيزان استخدام القوة البحرية العسكرية مرفودة بالقوة الجوية للقضاء على ظاهرة القرصنة الصومالية، وهذا ما حدث.
اليوم، تهدد القرصنة «الحوثية» الملاحة الدولية في البحر الأحمر أمام أعين المراقبين وكاميرات الأقمار الاصطناعية الدائرة في فلك المنطقة، وتعيق تدفق الطاقة عبر هذا الشريان إلى دول العالم كافة، عبر استهدافها ناقلات نفط وسفناً تجارية، واستقبال مختلف أصناف الأسلحة المهربة في حاويات المساعدات الإنسانية وقوارب الصيد المتفلّتة، فيما المجتمع الدولي يكتفي بالمراقبة ولا يبدي اهتماماً بالقدر المتوقع، أو في الأقل، اهتماماً كالذي أبداه مع ظاهرة القرصنة الصومالية، يوم قضى عليها وجعلها أثراً بعد عين ومادة فيلمية هوليودية للعبرة. السؤال: ما الفرق بين الحالتين أو القرصنتين الصومالية و«الحوثية»؟ مثال آخر: حينما هددت إيران الملاحة البحرية في الخليج عبر زراعتها للألغام البحرية ونشرها لزوارقها الاعتراضية لمضايقة السفن العابرة، أثناء حرب الخليج الأولى عام 1980 التي استمرت لأكثر من سبع سنوات، قرر المجتمع الدولي التصدي لهذه الأفعال الطائشة، فجرَت أول عملية عسكرة لمياه الخليج حين اندفع عدد من قطع الأسطول البحري الأميركي إلى الخليج لحراسة ناقلات النفط الخليجية وتأمين مرورها الآمن عبر مضيق هرمز. السؤال: أليست هذه ازدواجية تحتاج إلى توضيح. مقطع القول إن عملية حماية الممرات المائية والمضائق سواء كانت في الخليج العربي، أو في البحر الأحمر، أو في أي مكان في العالم، هي عملية جماعية تشترك فيها كل دول العالم لضمان استمرار تدفق الطاقة من دون أي اضطراب أو تهديد.

*إعلامي وكاتب صحافي