عقد مجلس الأمن في الثاني من الشهر الجاري جلسة لمناقشة الأوضاع في اليمن، ولقد كان من المأمول أن تمثل هذه الجلسة نقلة نوعية في تعامل المجلس مع المسألة بالنظر إلى تزامن توقيت انعقادها مع محاولات إيجاد معالجة سياسية لوضع مدينة الحديدة ومينائها بعد أن كادت قوات التحالف أن تُكمل تحريرها لكنها أجلت المعركة الحاسمة استجابة لما أثارته أطراف دولية عن وجود اعتبارات إنسانية تحتم عدم اقتحام المدينة، وكأن كل شيء على ما يرام إنسانياً في ظل السيطرة «الحوثية» عليها. وجاء انعقاد الجلسة في أعقاب الاعتداء «الحوثي» على ناقلتي النفط السعوديتين بما أكد خطورة استمرار الوجود «الحوثي» على ساحل البحر الأحمر، لكن حصاد الجلسة جاء شديد التواضع، وبداية جاء طرح المبعوث الأممي أصلاً متواضعاً وغير محدد، فقد اعترف بالفشل في إيجاد اتفاق حول الُحديدة، وإن ذكر أن جهوده نجحت في تضييق الفجوة بين الجانبين بطريقة لم يتوقعها أحد، وإنْ لم يوضح المعنى الذي يقصده بتضييق الفجوة وجدواه طالما أنه لم يُفض إلى اتفاق، والأهم أنه اعترف بأن فرصة حل مسألة الحديدة أفضل ضمن تسوية شاملة فماذا أعد لهذه التسوية؟ أعلن أنه بعد التشاور مع كافة الأطراف المعنية ينوي دعوتها إلى اجتماع في جنيف في السادس من سبتمبر القادم، وحدد لهذا الاجتماع هدفاً شديد التواضع، وهو إجراء مشاورات تتيح للأطراف الفرصة لمناقشة إطار المفاوضات والاتفاق على إجراءات بناء الثقة ووضع خطط محددة لدفع العملية إلى الأمام، ومع أنه أشاد بتجربة مفاوضات الكويت، فلا يبدو أنه استفاد منها في شيء لأن الأهداف التي حددها للجولة المقترحة توحي بأننا سنبدأ من نقطة الصفر، ومع أنه أيضاً قد أشار إلى أسس الحل السياسي، وهي المبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، فإنه لم يؤسس أي أفكار على هذه المرجعيات، وقد نلتمس له العذر لأنه لا يريد في هذه المرحلة أن يخسر تعاون أي من الأطراف، لكن هذا الحذر البالغ والتعميم الغامض لا يدعو للتفاؤل.
وإذا كنا قد نلتمس العذر للمبعوث الأممي لحساسية وضعه فما عذر الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وهي تضم قوى عظمى وكبرى وجميعها مهموم بالسلم والأمن الدوليين؟
وتظهر مراجعة مواقف الدول الأعضاء في الجلسة أن ثمة إجماعاً على أن الحل لن يكون إلا سياسياً، لكن أحداً لم يتحدث عن عناصر محددة لهذا الحل علماً بأن هذه العناصر موجودة تفصيلاً في قرار المجلس رقم 2216 لكن أحداً لا يأتي على ذكرها، بل على العكس فإن ثمة إلحاحاً على ضرورة مشاركة الأطراف كافة في الحوار وهذا حق، ولكن كلمة واحدة لم تُقَل عن أن طرفاً رئيسياً في هذا الصراع مغتصب للسلطة وأن القرار 2216 قد نظم آلية التخلص من هذا الاغتصاب، كذلك فإن هناك إجماعاً على المرجعيات الثلاثة لهذا الحل، ومنها القرار المذكور، لكن أحداً لم يُشر بكلمة أيضاً إلى أن الصراع اليمني هو الصراع الوحيد الذي توجد وثيقة جاهزة لحله تم التوصل إليها بآلية ديمقراطية راقية، وهي مؤتمر الحوار الوطني الذي وضع حلولاً لإشكاليات المسألة اليمنية كافة والأهم من ذلك أن «الحوثيين» أنفسهم قد شاركوا في هذا الحوار، وهم يعلمون أن الأطراف اليمنية الأخرى في الحوار لم تكن راضية عن نسبة تمثيلهم في مؤتمر الحوار الوطني، لأنها اعتُبرت نسبة مبالغاً فيها، ومع ذلك فإن جوهر الانقلاب «الحوثي» هو الانقضاض على نتائج هذا المؤتمر وإجهاضها، ومع ذلك لم نسمع من عضو واحد في المجلس حديثاً عن آليات لوضع مخرجات المؤتمر موضع التنفيذ.
ولا يستطيع المرء أن يتجنب الانطباع بأن الجميع يتحدث الآن انطلاقاً من موازين القوى السائدة وليس من مرجعيات الحل وهذه مسألة بالغة الخطورة، وثمة انطباع آخر بأن هناك نوعاً من الكسل الذهني لدى الجميع كما يظهر من كلمات المندوبين، فالكل يتحدث في العموميات ويتجنب التفاصيل والمقترحات المحددة، وليعلم الجميع الذين يتباكون على الكارثة الإنسانية في اليمن أن هذا النهج لن يفضي إلا إلى استمرار التصعيد باعتباره البديل الوحيد الفعال لحماية الشرعية الدولية وليس فقط اليمنية.
*أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة