يحلو لإسرائيل أن تدعي أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط من أجل تقوية دعم البلدان الغربية لها وزيادته. ولكن هذا التعريف يبدو مجافياً للحقيقة طالما أن الأقلية العربية التي تمتلك الجنسية الإسرائيلية – الفلسطينيون الذين بقوا في المنطقة بعد حرب 1948 – تتعرض للتمييز، ناهيك عن المصير الذي يلقاه فلسطينيو الأراضي المحتلة.
وفي الآونة الأخيرة، جاء تبني قانون يجعل من إسرائيل (الدولة-الأمة) للشعب اليهودي ليضع حداً لهذا الخيال. فرسمياً، هناك فئتان من المواطنين في إسرائيل: اليهود، الذين يتمتعون بكامل الحقوق؛ والآخرون، المحرومون منها. وقد أثار هذا القانون الكثير من الاحتجاجات من اليسار الإسرائيلي؛ ولكن هذا الأخير بات يمثل أقلية في البلاد بسبب جنوح المجتمع الإسرائيلي المتزايد إلى اليمين – بل إلى اليمين المتطرف. وهكذا، بات أنصار السلام العادل مع الفلسطينيين أقل عدداً على نحو متزايد.
وإذا نظرنا إلى التهام الأراضي الفلسطينية من قبل الاحتلال المتواصل – والذي لم يتوقف أبداً منذ بدء عملية أوسلو – فيمكننا بصدق أن نتساءل حول ما إن كان ما يسمى بـ«حل الدولتين» ما زال ممكناً.
وعلاوة على ذلك، فإن المقارنة مع نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا – التي يرفضها الزعماء الإسرائيليون ويطعنون فيها بشدة، بالطبع – تصبح حجةً قويةً يُدفع بها بشكل مزايد في النقاش العام. ذلك أنه إذا كان ثمة في السابق فصلٌ فعلي بين العرب واليهود، فإن هذا الفصل بات الآن معترفاً به من قبل القانون.
ونتيجة لذلك، سيصبح من الصعب أكثر على المدافعين عن إسرائيل في البلدان الغربية الدفاع عن هذا النظام باسم تحالف حضاري. كما سيصبح من الصعب أكثر على البلدان الغربية ادعاء أنها تتقاسم مع إسرائيل القيم نفسها. وبالتالي، فالسؤال هو: إلى كم من الوقت ستستمر الولايات لمتحدة والأوروبيون في رفض ممارسة أدنى ضغط على الحكومة الإسرائيلية؟
في الواقع، هذا القانون يوضح الوضع القائم. فإسرائيل دولةٌ ديمقراطية بالنسبة لليهود، ولكنها دولةٌ يهودية بالنسبة للعرب. وقد جاء قراران للعدالة الإسرائيلية مؤخراً ليقدما دليلًا إضافياً على عدم المساواة.
ففي الأحد قبل الماضي، أُفرج عن عهد التميمي، هذه الفتاة الفلسطينية البالغة 17 عاماً، التي حُكم عليها بالسجن ثمانية أشهر بسبب تجرؤها على صفع جندي إسرائيلي اقتحم منزلها، وذلك بعد أن قضت كامل محكوميتها. ونظراً لصغر سنها وشجاعتها، تحولت عهد التميمي إلى أيقونة لكفاح الفلسطينيين. وقد أعلنت أنها تنوي دراسة القانون من أجل النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي. والحق أن المقاومة السلمية وحدها تستطيع تغيير ميزان القوة؛ وهذه الفتاة ستجسّد في أعين العالم برمته، من الآن فصاعداً، المقاومة الفلسطينية الشجاعة والمصممة والثابتة إزاء الاحتلال الإسرائيلي، وتعطشاً للكرامة لا ينطفئ. وهكذا، فإن الحديث عن عهد التميمي لا يكاد يتوقف.
وبالتوازي مع ذلك، أُفرج عن الرقيب الإسرائيلي «آزاريا» أيضاً، بعد أن قضى 8 أشهر في السجن. ولكن خلافاً لعهد التميمي، أُطلق سراح «أزاريا» قبل إكمال عقوبته. فقد حُكم عليه بالسجن لـ18 شهراً بسبب قتله بدم بارد فلسطينياً كان مطروحاً على الأرض بعد أن هاجم جندياً إسرائيلياً. ثمانية أشهر بسبب صفعة، وثمانية أشهر بسب قتل رجل على الأرض.
هنا نرى بشكل ملموس أسلوب «الكيل بمكيالين» الذي تتبعه العدالة الإسرائيلية. إنها تشبه مجتمعاً يعمد كل يوم أكثر إلى حرمان عرب48 والفلسطينيين من حقوقهم، ويشبه دولة تقوم على نحو متزايد على عدم المساواة ورفض حقوق الشعوب في تقرير مصيرها. وخلاصة القول إنه إذا كان الغربيون قد جعلوا من مبادئ المساواة بين الأفراد وحريات الشعوب قيماً أساسيةً، فإنه سيكون من الصعب عيلهم الاستمرار في إغلاق أعينهم إزاء انتهاكها في إسرائيل، بدون أن يُتهموا بازدواجية المعايير.