تبدأ يوم غد الثلاثاء المرحلة الأولى من العقوبات الأميركية ضد إيران والتي تستهدف الذهب والمصارف والسيارات، لكن ستصل العقوبات ذروتها مع انطلاق المرحلة في السادس من نوفمبر القادم، حيث ستمنع الولايات المتحدة أي تعامل نفطي أو غازي مع إيران، و بذلك ستواجه طهران عقوبات غير مسبوقة حيث تعود واشنطن لاستخدام العقوبات المالية كأداة للسياسة الخارجية والتي تعتبر إحدى أدواتها المفضلة خلال السنوات الأخيرة، إذ تعتمد واشنطن في تطبيق ذلك على هيمنتها على بنية النظام المالي العالمي، وكانت واشنطن قد بدأت بعزل إيران عن النظام المالي العالمي منذ عام 2006 رداً على أنشطتها النووية واتهامها بدعم الإرهاب. وشمل الاتفاق النووي الذي وقع مع إيران تخفيف العقوبات ورفع الحظر المفروض على قطاعات النفط فضلاً عن فتح المجال لطهران لإمكانية الحصول على عشرات المليارات من الدولارات المجمدة خلال السنوات السابقة، وأصبحت لطهران القدرة على النفاذ إلى النظام المالي العالمي من خلال رفع الحظر على البنوك الأجنبية، التي ُتجري تعاملات مالية مع البنك المركزي الإيراني، وعليه فالعقوبات الأميركية الحالية ترتبط بشكل كبير بهيمنة الدولار الأميركي على التجارة العالمية والبنوك المختلفة، بما يشكل ضغطاً اقتصاديا هائلًا ليس فقط لفرض حظر تجاري من جانب واحد، ولكن لعزل أي خصم عن النظام المالي العالمي بأسره ونجاح العقوبات يرتبط بالهيمنة الاميركية.
عادت التظاهرات لتجتاح المدن الإيرانية، وشملت التظاهرات أصفهان وشيراز ومشهد وطهران وعدداً من المناطق الأخرى احتجاجاً على الوضع الاقتصادي وانهيار العملة والتضخم، وسوء الخدمات الحكومية واستمرار انقطاع التيار الكهربائي، حيث بدأت في 30 يونيو الماضي، في مدينتي عبادان وخرمشهر وكان سببها نقص مياه الشرب وسط جفاف يعم المنطقة، وتوسعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي سبّبها في البداية تدهور الوضع الاقتصادي والفساد وسوء التدبير وتزايد عدم المساواة الاجتماعية، ولكن مع اتساع نطاقها بدأت تتحول إلى احتجاجات سياسية، إذ أظهرت تسجيلات فيديو متداولة على شبكات التواصل الاجتماعي متظاهرين يهتفون بـ«الموت للديكتاتور» في إشارة إلى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وتحدثت تقارير إعلامية عن أن متظاهرين إيرانيين هاجموا حوزة علمية في بلدة «اشتهارد» في محافظة كرج غرب طهران، وهو مايعكس حالة أوسع من الغضب على النظام السياسي.
في الحقيقة بدأت الاحتجاجات في إيران قبل خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي بفترة من الزمن، وهي وموجهة بشكل عام ضد الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد، إذ شهدت إيران في نهاية العام 2017 ومطلع 2018 أكبر حركة احتجاجات منذ ما يُعرف بالثورة الخضراء في عام 2009 تمددت الاحتجاجات في المدن الإيرانية الكبرى، وفي عشرات المدن الصغيرة. وكما كان متوقعاً قمعت الحكومة الاحتجاجات، وسارعت بتوجية الاتهامات لـ «أعداء الثورة». اليوم توجه السلطات الإيرانية اتهامات «الإفساد في الأرض» لعشرات المعتقلين، الذين تلاعبوا بالنظام المالي والعملة الصعبة بعد تدهور العملة.
تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية في المدن الإيرانية يعكس مخاوف المجتمع من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة الآخذة في الانحدار في الوقت الذي تجد فيه الحكومة صعوبة متزايدة في استخدام الخطاب المعادي لأميركا لتفسير الوضع الصعب في البلاد، وبدلا ًمن طمأنة الشعب الإيراني أو اتخاذ تدابير اقتصادية احترازية لطمأنة الأسواق الإيرانية لاستقبال المرحلة الأولى من العقوبات الأميركية أعلن خامنئي والحرس الثوري الإيراني وهددوا «المكدرين للأمن الاقتصادي» وقال قائد في الحرس الثوري «واجب الإيرانيين مساعدة الحكومة في تجاوز المشاكل الاقتصادية».
وعود على بدء قال «مايك بومبيو» وزير الخارجية الأميركي في كلمته العلنية الأولى بعد توليه منصبه 22 مايو الماضي «إننا سنمارس ضغوطاً مالية غير مسبوقة على النظام الإيراني، ولن يكون لقادة طهران أي شك في مستوى جديتنا» تراهن واشنطن على تغيير النظام الإيراني ليس بالإطاحة به بالقوة ولكن بإحداث هزة عميقة لفكرة وأسس النظام السياسي، وتحديداً نموذج دولة الولي الفقيه مما سيؤدي بالضرورة لتغييره من الداخل.