يبدو أن مراهنات إيران على استغلال الصراع في سوريا للبقاء في بلاد الشام أطول وقت ممكن لم يعد متاحاً. وكانت طهران ولا تزال بحاجة دائمة لخوض حروب طائفية خارج حدودها، لكي تبرر أمام الشارع الإيراني للعبث والفساد المستفحل بحجة تمويل حروبها الخارجية المقدسة! وفي ظل غليان الشارع الإيراني على وقع الأزمة الاقتصادية تصبح خسارة المعارك الخارجية شديدة التأثير على النظام.
عملياً سقطت إيران في أكثر من فخ واستحقاق. فالأزمة الاقتصادية تضغط بشدة في ظل انهيار العملة إلى أدنى مستوياتها. بينما يواجه نفوذها في سوريا مأزقاً كبيراً ينذر بالرحيل وبضغط روسي، مقابل وعود بالتفاوض مع الإدارة الأميركية بشأن صياغة اتفاق جديد حول المشروع النووي. فيما أصبح طموح طهران في الوقت الراهن رغم تصريحاتها العنترية يتمثل في وقف التداعيات الدولية التي تتزامن مع غليان داخلي متزايد، وفي الآن ذاته ارتفع سقف الغضب الأميركي وتكررت الدعوات من قبل بعض المحيطين بترامب إلى إسقاط النظام الإيراني برمته. وكارثة طهران أن الظروف الإيرانية الداخلية جاهزة بالفعل للدفع نحو إسقاط النظام. وبحسب آخر زيارة لوزير الخارجية الإيراني إلى روسيا، ظهر الضعف والارتباك الإيراني بوضوح. فروسيا رغم اشتراكها مع الإيرانيين في الحرب داخل سوريا، فإنها ليست معنية بخرافات ملالي طهران ودوافعهم الطائفية.
إجمالاً هناك مساران متناقضان تدور في فلكهما إيران، فهي من جهة دولة ثيوقراطية يتحكم رجال الدين بصياغة توجهاتها ورسم سياستها، القائمة على استثمار الطائفية وتعزيز الانقسامات وتأجيج الحروب خارج أراضيها. وهذا سلوك تخريبي يتنافى مع مبادئ القانون الدولي ومع أبسط ملامح الدولة الحديثة في الزمن الراهن. ورغم انقياد إيران للنهج التخريبي وتبنيه رسمياً في دستورها تحت بند تصدير الثورة، تريد كذلك الحفاظ على مخططات تعتقد أنها تتصل بحماية وجودها، وذلك عبر مماطلة العالم لاستكمال بناء مشروع نووي، يمثل امتلاكه من قبل دولة همجية كارثة عالمية بكل المقاييس، لأن الدول الفاشية لا تتورع عن استخدام الأسلحة الفتاكة لفرض نهجها، وعندما تختلط السياسة بالخرافات والأيديولوجيا الدينية فإن الحرب في نظر الملالي ستكون مقدسة ومشروعة، وهذا يفسر لنا أسباب اندفاع طهران بحماس لتأجيج الحروب الطائفية والمشاركة فيها بمليشيات وإمكانيات إعلامية لا تتنازل عن التحريض والتطبيل للفوضى. بينما الأراضي الإيرانية تبقى بعيدة عن الحروب والصراعات المباشرة. وهذا ما ينبغي أن يتنبه إليه من ينقادون بعمياء للمشروع الإيراني التخريبي.
ويخبرنا السلوك الإيراني أن الحروب الطائفية والفوضى والانقسامات هي البيئة المثالية لنظام طهران. وهناك أمثلة كثيرة على التطفل الإيراني الذي لا يملك أية مقومات للتمدد سوى استثمار التناقضات المذهبية وإشعال الحروب. لذلك مثلت الحرب في سوريا فرصة ذهبية للإيرانيين. لكن المعطيات الجديدة تبشر بانكماش إيران، سواء بفعل مشارفة الفوضى في سوريا على الانتهاء، أو بفعل التوافق الروسي الأميركي. إلى جانب تفاهمات بين روسيا والطرف الإسرائيلي الذي لم يكف عن القلق من تواجد المليشيات الإيرانية في سوريا.
هذه المؤشرات الصادمة لطهران تحرج النظام أمام الشارع الإيراني، كما تجعل من التطبيل للمشروع النووي في ظل الفقر والانهيار الاقتصادي يفقد جدواه ويثير الغضب الشعبي. ونستنتج أن إيران تبني نفوذها وتمددها خارج حدودها على أسس هشة تخلو من المقومات المنطقية والسياسية للحضور في المشهد. وكلما تأملنا التطفل الإيراني نجده يتخذ طابع الفلكلور السياسي الذي انتهت صلاحيته. فليس لدى ملالي طهران سوى الاعتماد على رافعة أيديولوجية تقليدية لا مساحة لها في خريطة التوازنات العسكرية والاقتصادية الدولية. وكلما أراد حراس التخلف والفوضى الطائفية الإيرانية التشبث بدور إقليمي هنا أو هناك، لا يجيدون سوى أسلوب تلقيح الخرافات وإعادة إشعال فتيل الطائفية والمذهبية والحروب في أراضي الغير. لذلك تواجه السياسة الإيرانية صعوبات ومخاطر دائمة تهدد خرافاتها ومبررات حروبها وتمددها ونفوذها الذي يسير عكس التيار. وكل ذلك يجعل السياسة الإيرانية في حالة صدام وخسارات متوقعة لحلفاء أبرزهم في الوقت الحالي روسيا، التي تستخدم هواجس إيران لصالحها كما فعلت في سوريا. فيما بدأ العد العكسي لانهيار النفوذ الإيراني بمباركة من الحليف الروسي.
وتشير التحليلات المواكبة للمستجدات في هذا الملف إلى أن إيران مجبرة على القبول بما تطلبه روسيا، وذلك للخروج بأقل قدر من الخسائر. وبحسابات مستقبلية تجنب المزيد من العقوبات الاقتصادية القاسية، في حال لم تنجح مساعي التفاهم مع الولايات أميركا على تعديلات حول الاتفاق النووي. وبالتأكيد فإن إيران تدخل المقايضة وهي في حالة ضعف لحماية كيانها. كما أن الحديث عن تقليص النفوذ الإيراني في سوريا يتبعه تقليص نفوذها بشكل كامل في المنطقة.
*كاتب إماراتي