في الولايات المتحدة والدول المتقدمة الأخرى، توجد ثلاث فلسفات أساسية للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، كانت حاضرة كلها، بصورة ما، أثناء الكساد الكبير، ولا تزال باقية حتى وقتنا هذا. الفلسفة الأولى هي «الكينيزية»، التي ترتكز حول التحفيز المالي، وبصورة رئيسية في صيغة إنفاق حكومي كبير. والثانية هي «الترشيد النقدي»، والتي تعتبر أن إنقاذ الاقتصادات من الركود وظيفة البنك المركزي، عبر تقليص أسعار الفائدة، والانخراط في تيسير كمي أو تخفيف السياسات النقدية بطرق أخرى. أما الفلسفة الثالثة فتعتبر أن الركود ظاهرة صحية وطبيعية، وأنه لا ينبغي للحكومات مواجهتها. وقد روّج لهذه الفكرة أثناء الكساد الكبير أنصار عدم التدخل الحكومي، وظهرت مجدداً في ثمانينيات القرن الماضي، ونال أحد أنصارها البارزون، مؤخراً، جائزة نوبل في الاقتصاد. ولطالما كانت هذه الفلسفات الثلاث قائمة لدرجة أنه بات من المسلمات استنتاج عدم وجود غيرها، لكن ثمة طريقة أخرى، أو بالأحرى نظرية جيدة للحفاظ على استقرار الاقتصاد بخلاف السياسات النقدية أو المالية. ولعل الصين هي مَن سبرت أغوار هذا البديل الاقتصادي. وخلال ربع قرن الماضي، كان النمو في الصين مستقراً، رغم وجود منعطفات صعود وهبوط، لكن الدولة لم تعان من أي ركود، ولم يتراجع نمو إجمالي الناتج المحلي إلى أقل من 6? أبداً. وبالطبع، كانت تلك هي الأرقام الحكومية الرسمية، لكن عدداً من المراقبين المستقلين أجروا تقديراتهم للنمو الصيني، استناداً إلى بيانات مثل استهلاك الكهرباء، من أجل التأكد من الأرقام الرسمية، وتوصلوا جميعاً إلى أن الصين لم تشهد أبداً تراجعاً للنمو خلال السنوات الأخيرة. وبالطبع، يبدو ذلك جديراً بالملاحظة، فمعظم الدول سريعة التطور شهدت تباطؤاً في مرحلة ما، وأثناء الصعود الاقتصادي للولايات المتحدة في القرن الـ19، عانت مراراً من التراجع والركود، كتلك التي نعرفها جميعاً. ورغم أن اليابان حققت نمواً سريعاً ومستقراً أثناء فترة ما بعد الحرب، فإنها واجهت فترتي ركود في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. لكن الصين، على النقيض من ذلك، تكيفت حتى الآن مع كل من «الركود الكبير» عام 2009، وفقاعة سوق الأسهم، دون أن يعكس النمو فيها مساره. فكيف نجحت الصين في ذلك؟ لا شك أنها استخدمت السياسة النقدية كوسيلة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، لكن في الوقت ذاته لم تكن عمليات تحريك أسعار الفائدة كبيرة بصورة خاصة. كما استخدمت بكين سياسيات مالية خلال «الركود الكبير»، فأدارت عجزاً بنسبة 7? من إجمالي الناتج المحلي في 2009، لكن التحفيز النقدي انتهى سريعاً، مع تحقيق الصين لفائض خلال العام التالي. وربما تكون السياسات المالية فعالة، لكنها لم تكن كل شيء! فبالإضافة إلى الإنفاق، وجهت الصين البنوك إلى إقراض مزيد من الأموال. وقدر البنك الدولي أن القروض البنكية مثلت زهاء 40? من حزم التحفيز الاقتصادي في الصين. وقدمت البنوك الكبرى الأربعة المملوكة للدولة معظم تلك القروض. وتم توجيه تلك الأموال إلى البنية التحتية والعقارات وكافة أنواع المشاريع المؤسسية الأخرى، ونفّذت شركات مملوكة للدولة معظم تلك المشاريع. وفي حين يظن البعض أن هذه القروض كانت إهداراً للأموال وربما تضر الإنتاجية، لكنها أنقذت الاقتصاد من التراجع، وخصوصاً الوقوع في براثن الركود الذي هدّد استقرار العديد من الدول الأخرى. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»