يواجه حلف «الناتو» حالة من التوتر الشديد، لا يبدو أن قمة بروكسيل، الأسبوع الماضي، استطاعت حلها. وقد سبق أن واجهنا نفس الحالة؛ فأثناء خدمتي كقائد أعلى لقوات الحلف (2009-2013)، كان ثمة جدل وخلافات كبيرة حول أفغانستان وليبيا، ومناقشات لا نهاية لها حول التقاسم العادل للأعباء بين الولايات المتحدة والحلفاء الآخرين. وفي الواقع، كانت التقارير حول تراجع الحلف مستمرة على مدى عقود، لاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي مباشرة. لكن ما هو مختلف الآن هو الكراهية الشخصية الواضحة التي يكنها الرئيس الأميركي حيال الحلف عموماً وبعض القادة الرئيسيين خصوصاً. وعلى سبيل المثال، فإن كراهية ترامب للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، ورئيس وزراء كندا جوستين ترودو.. تبدو متأصلة ومستعصية. وهذه العداوة الشخصية بين قادة أهم الدول الأعضاء في الحلف، تأتي في وقت عصيب، حيث تحاول روسيا ممارسة الضغوط حول محيط الناتو، باستخدام تقنيات «الحرب المختلطة»، لزعزعة استقرار الدول المطلة على بحر البلطيق والبحر الأسود، وتوظيف العمليات السيبرانية لتقويض الديمقراطية في دول مثل الولايات المتحدة. وتعمق هذا التوجه لدى ترامب من شأنه أن يرسخ وجهة نظر أوروبا بأن الرئيس غير قابل للتغير كشريك موثوق به، ما يؤدي إلى واحدة من أعمق الأزمات في تاريخ «الناتو» منذ 70 عاماً. وما يجعل الأمر مؤلماً بشكل خاص هو المودة الشخصية والإعجاب الذي يكنه الرئيس ترامب لبوتين. وهذا أمر لا يمكن تفسيره، نظراً لتأييد الرئيس الروسي لبشار الأسد في سوريا، وغزوه لأوكرانيا وقيامه بضم القرم، وأكثر من ذلك التدخل في العملية السياسية في الولايات المتحدة عام 2016. وفي حين أنه ليس من مصلحة أحد أن ينخرط مرة أخرى في حرب باردة، فإن الانفصال السياسي الهائل بين كراهية ترامب للقادة الديمقراطيين في «الناتو» وإعجابه الذي يعبر عنه كثيراً لبوتين، يعد سبباً كافياً لعدم استمرار الحلف. ويشعر شركاء أميركا بالقلق حيال هبات ترامب المفاجئة خلال لقائه ببوتين: مثل الإعلان عن انسحاب عدد كبير من القوات الأميركية من أوروبا، أو خفض أموال الدفاع المخصصة للقيادة الأميركية الأوروبية، أو وقف التدريبات مع أعضاء «الناتو» في أقصى الشرق.. إلخ. ونظراً للسيناريو الذي ينفذه مع كوريا الشمالية –بما في ذلك وقف التدريبات العسكرية مع كوريا الجنوبية- فإن هذه المخاوف ستبدو مبررة. ومن المفارقات أن هذا يحدث في الوقت الذي بدأت فيه الضغوط الممارسة من أجل زيادة الإنفاق الدفاعي من جانب الأوروبيين وكندا، والتي بدأت خلال إدارة أوباما، تؤتي ثمارها. وبدأ معظم أعضاء «الناتو» غير الأميركيين في الاقتراب من الأهداف المعقولة والمتمثلة في إنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، وتخصيص20% منها للمعدات الحديثة، بيد أن هذا لا يمضي بالسرعة الكافية لإرضاء ترامب! وما كان ينبغي هو أن تدور قمة الحلف حول التحديات الاستراتيجية والتكتيكية الصعبة التي تواجهه، مثل هذه المهمة التي لا نهاية لها في أفغانستان؛ وحماية أعضاء الحلف في البلطيق من الهجمات السيبرانية الروسية؛ وخطة للاقتراب سريعاً من المحيط المتجمد الشمالي؛ ودور «الناتو» في الشرق الأوسط والحرب المستمرة ضد الإرهابيين. جيمس ستارفيديس: قائد سابق لقوات «الناتو» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»