منذ ما قبل الافتتاح المدهش لدورة الألعاب الأولمبية عام 2008 في بكين، وتسيّد رياضات الملاعب المغلقة، وإدخال الشاي إلى الثقافة الصينية كما فن الخط اليدوي، ومنذ الوصول السريع إلى مرتفعات «إفرست» بالقطار، وسرعة التشييد في وقت خيالي، وإشاعة صناعة المحاكاة لتحدي تعقيدات المنتج التكنولوجي المستورد، واعتماد الواقعية كمذهب عملي.. والعالم يزداد يوماً بعد آخر معرفةً بالصين، البلد الذي استوجب علينا نحن في المنطقة العربية، ومنذ ألف وخمسمائة عام، الرحيل إليه طلباً للحكمة والعلم النافع. واليوم نجد أن العلاقات بين الإمارات والصين تقوم على ركائز عدة، تمثلت إلى الآن في 36 اتفاقية تعاون مشترك شملت عدة مجالات، كما تعمل الدولتان على إنشاء صندوق سيادي استثماري مشترك سيجري الإعلان عنه قريباً كما يُتوّقع، أن خطوات مهمة كهذه أُنضجت على نار هادئة على مدى أعوام ماضية، كان من الطبيعي أن تتوّج بخطوة أكبر هي اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، والتي يُعتقد أنها أصبحت جاهزة ويُنتظر الإعلان عنها. وللعلاقات الصينية العربية، وخصوصاً مع دول منطقة الجزيرة والخليج العربي، قصة قديمة وممتعة، فمنذ نزول الملاّح الصيني المسلم «تشنغ خه» على شواطئ البلدان المطلة على المحيط الهندي لممارسة التجارة وتنمية العلاقات الودية، بأسطول بحري ضخم محملاً بالحرير والخزف الصيني والمسك والأدوات النحاسية والحديدية، في سبع رحلات متوالية، منها واحدة خصصها لتأدية فريضة الحج، منذ ذلك الملاّح المغامر وإلى فترة رئيس مجلس الدولة الصيني «شو ان لاي» الذي اعترف بقيام دولة الإمارات عام 1971، وكان قبل ذلك قد قدّم في مؤتمر دول عدم الانحياز بباندونغ عام 1955، منحةً مالية لمصر، قدرها مليون فرنك فرنسي، وأعقبها بمساندة تأميم قناة السويس عام 1956. منذ تلك الفترة وفصول قصة العلاقة تتوالي لتكون الصين معنا، نحن العرب، ونحن معها، في أكثر من شكل وطريقة. كما عُرفت الصين بمواقفها المساندة تجاه القضايا العربية عموماً، ومن أبرزها قضية جزر الإمارات الثلاث المحتلة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى)، والتي دعت إلى حلها سلمياً وفق قواعد القانون الدولي. ومواقف كهذه، مساندة لدولة الإمارات، إنما تأتي كثمرة لتلك العلاقات المتينة التي بدأت غداة تأسيس دولة الاتحاد عام 1971، حيث بعث الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، برقية إلى «شو ان لاي»، رئيس مجلس الدولة الصيني حينها، يبلغه فيها بقيام الدولة، رد عليها ببرقية تهنئة مؤكداً اعتراف الصين بدولة الإمارات، لتفتح بعدها الصين في عام 1985 سفارتها في العاصمة أبوظبي، وبعد عامين من ذلك أنشئت القنصلية الصينية في دبي. وتعد الصين حالياً من الدول السبّاقة التي أدركت مبكراً أن الأولوية التي يجب التركيز عليها هي الاقتصاد، من خلال علاقات تجارية واقتصادية بنّاءة تعود بالفائدة على الجميع. هذا ما أدركته الصين، ولتحقيقه نأت بنفسها عن الدول المصدّرة للفكر الأيديولوجي السياسي والشمولي، ليصبح الأهم الأول للصين خلال العقود الأربعة الماضية، هو الاقتصاد، بعيداً عن المدارس الاقتصادية التقليدية، الاشتراكية والرأسمالية، عملاً بفلسفة مفكرها وباني نهضتها الحديثة «دنغ شياو بنغ» الذي أطلق قولته الشهيرة «لا يهم ما لون القطة طالما أنها قادرة على الاصطياد»، في إشارة إلى أن قوة الصين تكمن في الاقتصاد كأولوية بصرف النظر عن الوسيلة.