ليس متوقعاً أن تؤدي نتائج القمة الأوروبية التي عقدت الأسبوع الماضي، إلى حل الخلافات الأساسية بين دول الاتحاد بشأن الهجرة واللجوء، فقد توصلت القمة إلى تسوية جزئية، ومؤقتة على الأرجح، لا ترقى إلى سياسة لجوء مشتركة. ربما تتيح هذه التسوية تهدئة الأزمة، التي نبهت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل عشية القمة إلى أن مصير الاتحاد الأوروبي يتوقف عليها، لكنها لا تقدم حلاً لها، بعد أن وصل الانقسام حول قضية اللجوء إلى مستوى غير مسبوق. ظهرت حدة الانقسام قبل أيام على انعقاد القمة، عندما رفضت الدول الأكثر تشدداً بشأن استقبال لاجئين عقْدَ اجتماع تشاوري غير رسمي حضرته 17 دولة، بمبادرة من ميركل، بدعوى أنه غير قانوني. كما تغيرت سياسة إيطاليا التي اتسمت بالمرونة في السنوات الأخيرة بعد أن حملت انتخابات مارس الماضي حزبين أحدهما يميني متطرف والثاني شعبوي إلى السلطة، وقاما بتشكيل الحكومة الجديدة التي بدأت عهدها في منتصف الشهر الماضي بمنع وصول سفينة تقل نحو ستمائة مهاجر إلى سواحلها، الأمر الذي خلق مشكلة إنسانية كبيرة تعاونت إسبانيا وفرنسا في حلها. ولم تكن هذه إلا واحدة من المشكلات التي تجسد المدى الذي بلغته الأزمة المترتبة على تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين الذين يطلبون اللجوء. كما أدى الانقسام داخل الحكومة الألمانية إلى ازدياد التوتر في الأجواء الأوروبية عشية انعقاد القمة. ففي موازاة الانقسام بين الدول الأوروبية، تزداد حدة الخلافات الداخلية في بعضها. لكن هذه المرة الأولى التي يصل فيها خلاف داخلي إلى مستوى يُهدد حكومة أوروبية بعد أن توسعت الفجوة بين ميركل ووزير الداخلية في حكومتها هورست زيهوف، حول كيفية التعامل مع طالبي لجوء مسجلين في دول أوروبية أخرى، ويريدون عبور الأراضي الألمانية. فقد أصر زيهوفر على تطبيق تعديل أقره البرلمان الأوروبي مؤخراً على اتفاق دبلن لعام 1990 بشأن اللجوء، ومن ثم إعادة من دخلوا إحدى هذه الدول وسُجلوا فيها، لكنهم غادروها دون أن يقدموا طلب لجوء فيها، إلى هذه الدولة التي قدموا منها لكي تنظر في أمرهم، أو ترحيلهم خارج القارة إذا رفضوا ذلك. واعترضت ميركل، في المقابل، على اتباع سياسة منفردة في رفض مهاجرين موجودين على الحدود الألمانية لكونهم مسجلين في دولة أوروبية أخرى (وفق نظام بصمات الأصابع المعروف باسم «يورو داك»)، من دون التوصل إلى تفاهم على سياسة مشتركة للجوء. وبذلت ميركل جهوداً كبيرة خلال الأسبوعين السابقين على القمة، وتحركت دون كلل في مختلف الاتجاهات، وسعت إلى احتواء الأزمة التي تهدد بحل حكومتها وإجراء انتخابات مبكرة، والحد من تأثير محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترامب استغلالها لتأكيد سلامة سياسته تجاه الهجرة. وراهنت على أن يساعد التعاون مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وضع حد للانقسام الأوروبي وتحقيق حد أدنى من التفاهم. غير أن أزمة اللجوء كانت قد بلغت مبلغاً تجاوز قدرة الحكومات التي تحاول الإبقاء على شيء من وجه أوروبا الإنساني، في الوقت الذي ازداد المحور المناهض للجوء عدداً وقوة، بعد انضمام إيطاليا إليه عقب تشكيل حكومتها الجديدة، الأمر الذي أعطاه ثقلاً أكبر. لذا تعذر التفاهم على صيغة تتيح الاتجاه إلى حل حقيقي يتضمن على سبيل المثال توافقاً حقيقياً على تعديلات معقولة لاتفاق دبلن، واتفاقاً على آلية فعالة لتوزيع اللاجئين وطالبي اللجوء على دول الاتحاد وفق معايير موضوعية مثل مساحة الدولة، وحجم ناتجها القومي الإجمالي، ونسبة البطالة فيها، وعدد اللاجئين الذين استقبلتهم من قبل. فعندما عُقدت القمة، كان الوقت قد مضى ليس للتوصل إلى مثل هذا الحل فقط، بل لإيجاد أساس له، بينما صارت التعديلات الأخيرة في اتفاق دبلن مُفرَّغة من محتواها لأنها تفرض على دول جنوب أوروبا التي يطرق طالبو اللجوء أبوابها أولاً أعباء أكبر من غيرها، لذلك بدأ بعضها في التغاضي عن تسجيل بصمات من يقفون على حدودها وفق نظام «يورو داك»، وتركهم يعبرون إلى دولة مجاورة، الأمر الذي يؤدي إلى تعذر إعادتهم إليها لعدم وجود ما يثبت أنها الدولة الأولى التي وفدوا إليها. وهكذا، بلغ الانقسام الذي يُزعزع أركان الاتحاد الأوروبي، ويُدعم مركز التيارات الأكثر تطرفاً وانغلاقاً وعنصرية في عدد متزايد من دوله، مستوى يثير سؤالاً ملحاً عن مستقبل أوروبا، والآثار المحتملة لتفاقم أزمتها على منطقة الشرق الأوسط، والعالم بصفة عامة.