قضى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي «كيم جونج أون» مدة قصيرة من الوقت في سنغافورة الأسبوع الجاري. وربما كان ينبغي عليهما البقاء لفترة أطول للاطلاع على ما يجعل اقتصادها مزدهراً. فسنغافورة دولة غنية بصورة خاصة، مع بلوغ متوسط دخل الفرد زهاء 90 ألف دولار سنوياً، وهو ما يزيد على نظيره في الولايات المتحدة. فكيف يتم الحفاظ على ذلك الازدهار؟ وكيف حازت سنغافورة إعجاباً كبيراً من الليبراليين والمحافظين على السواء؟ تتقاسم سنغافورة كثيراً من الملامح مع الدول الغنية الأخرى، مثل رؤوس الأموال المساهمة والبيئة القانونية المتوقعة والقوة العاملة المتعلمة، لكن هناك بعض العوامل الأخرى وراء نجاحها. فسنغافورة واحدة من الدول القليلة التي تهاجر فيها العقول إلى القطاع الحكومي، وهو ما يرجع بصورة جزئية إلى ارتفاع الرواتب الحكومية. ويتقاضى كبار الموظفين مبالغ أكبر من نظرائهم الأميركيين، وربما يتجاوز الراتب على مستوى مجلس الوزراء 800 ألف دولار، مع الحوافز التي يمكن أن تضاعف المبلغ في حالة الأداء المتميز. ورغم ذلك، لا يتعلق الأمر بالمال فحسب، فمنذ استقلالها في عام 1956، غرس القادة السنغافوريين أخلاقيات الخدمة العامة في النظام الحكومي. وتحولت الدولة من الفساد النسبي إلى الحصول على أحد أفضل التقييمات على مؤشرات الشفافية في العالم. وهناك الآن أنظمة حوافز مركبة ومتداخلة، بحيث يحصل كبار الموظفين في القطاع العام على رواتب جيدة، واحترام كبير. وقد التقيت بضع مرات مع مسؤولين في الحكومة السنغافورية، ودائماً كنت أندهش من درايتهم الكبيرة بعلم الاجتماع، ومن الشائع هناك الحصول على درجات الدكتوراه من جامعات، مثل «هارفارد» أو «برينستون»، وقد حصلت اثنتان من الجامعات السنغافورية على تصنيفات عالمية. ويعتبر تطوير ثقافة الخدمة المدنية في سنغافورة واحدة من أبرز قصص النجاح الإداري والسياسي في العالم خلال الـ50 عاماً الماضية، ورغم ذلك لم تخضع حتى الآن لدراسة وافية في الغرب. وعلاوة على ذلك، يمتدح الليبراليون والمحافظون على السواء نظام الرعاية الصحية في سنغافورة، فالدولة لديها بعض من أفضل نتائج الرعاية الصحية في العالم، بينما تنفق نحو 5 في المئة فقط من إجمالي ناتجها المحلي على القطاع الطبي، مقارنة بأكثر من 17 في المئة في الولايات المتحدة. تيلر كوين *أستاذ الاقتصاد في جامعة «جورج ماسون» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»