الأوضاع الجيو-سياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط، بل وفي العالم، سوف لن تكون بعد إلغاء الاتفاق النووي الإيراني من قبل الولايات المتحدة، كما كانت قبل قرار الإلغاء. فالكثير من الثوابت والمؤشرات ستتغير بصورة جذرية، إلا أن التطورات المرتقبة في أسواق النفط والغاز ستحتل مكانة خاصة ضمن هذه التغيرات، وذلك لأهمية هذا القطاع للاقتصاد الإيراني من جهة ولتأثيراته على معظم بلدان العالم، سواء تلك التي لها علاقة مباشرة بأوضاع المنطقة أو تلك البعيدة عنها أصلاً. وبعض التغيرات الخاصة بالنفط والغاز أعقبت مباشرة وبصورة فورية توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب على قرار إلغاء الاتفاق، حيث صعد سعر برميل النفط ليلامس 80 دولاراً للبرميل، مع تقلباته صعوداً وهبوطاً، وفقاً لتطورات الأزمة ولمسألة العرض والطلب، إضافة إلى عوامل أخرى فنية وتقنية. إيران ستكون الخاسر الأكبر لأسباب كثيرة؛ أولها، أن إنتاجها من النفط سيتراجع بمقدار مليون برميل يومياً ليعود إلى فترة ما قبل العقوبات ويتمحور حول ثلاثة ملايين برميل تقريباً، مقابل 4 ملايين برميل حالياً، إذ ستتقلص صادراتها من النفط بعد تجنب العديد من الدول شراء النفط الإيراني لتفادي رد الفعل الأميركي، أما ما سوف يصدر منه، فإن الطريقة الأساسية لتسلم عائداته ستكون ليس من خلال النظام المالي العالمي والدفع بالدولار الأميركي، وإنما بعملات أخرى متهالكة وبطريقة المقايضة بسلع وخدمات لا تلبي الاحتياجات الأساسية للمستهلك الإيراني ومتطلبات الاقتصاد، وتمويل العمليات الخارجية العدوانية. وستشمل العقوبات المؤلمة قطاع تصدير الغاز في إيران، لاسيما وأن جزءاً كبيراً منه يصدر على شكل غاز سائل عن طريق الناقلات، كما أن محاولاتها لتصدير جزء من الغاز عن طريق قطر، كما حدث في السابق، ستواجَه هذه المرة بموقف أميركي لا تهاون فيه مع الجانب القطري، ما يعني أن إيران ستفقد قوة الدفع الأساسية لاقتصادها الوطني، وهو ما سينعكس بشدة على الأوضاع المعيشية للسكان، وسيؤثر على عمليات التمويل للمنظمات العميلة لها في الخارج. وهنا يطرح تساؤل مهم للغاية، هل سيحدث نقص في إمدادات النفط والغاز يؤثر على إمدادات النفط وعلى الاقتصاد العالمي؟ الجواب قطعاً لا، حيث يعود الفضل في ذلك إلى توافر طاقة إنتاجية فائضة لدى دول الخليج العربي وروسيا يمكنهما من خلالها سد النقص الناجم عن تراجع صادرات النفط الإيرانية بكل سهولة، كما يمكن التخفيف من آلية عمل اتفاق تخفيض الإنتاج المعمول به حالياً والمتفق عليه بين البلدان المصدرة من داخل منظمة «الأوبك» وخارجها. وينطبق ذلك أيضاً على إمدادات الغاز الطبيعي؛ إذ سيساهم الغاز الصخري الأميركي، متزايد الأهمية، وكذلك الارتفاع الكبير في إنتاج الغاز المصري والأسترالي، في سد العجز وتعويض تراجع صادرات الغاز الإيرانية، بما في ذلك إلى بلدان الاتحاد الأوروبي المتباكية على إلغاء الاتفاق النووي. هذا السيناريو يقدم مؤشراً قوياً لإمكانية المحافظة على استقرار أسواق النفط والغاز من دون إيران، بما في ذلك الإمدادات والأسعار التي ستتمحور حول معدلات تتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل، متأثرة بالأجواء الجيو-سياسية المضطربة في المنطقة وبعوامل فنية، كما هو الحال في فنزويلا ونيجيريا، وبالتأكيد بمضاربات ملازمة لأسواق النفط طوال تاريخها لتحقيق مكاسب سريعة وكبيرة، وينطبق ذلك على إنتاج وأسعار الغاز أيضاً. الاستنتاج المؤكد من مجمل هذه التطورات المرتقبة هو أن عدم استجابة إيران للشروط الأميركية سيؤدي إلى احتضار الاقتصاد الإيراني وانهياره تحت وطأة العقوبات التي تزداد حدتها يوماً بعد آخر، وتزيدها سوءاً التزامات إيران الخارجية، مما سيسبب لنظام الملالي أزمات على أكثر من صعيد، أخطرها يكمن في الاضطرابات والاحتجاجات الداخلية الناجمة عن انهيار العملة وارتفاع البطالة والتضخم ونقص السلع وتدهور مستويات المعيشة للسكان.. مما سيقصم ظهر النظام رغم الضجة التي يحدثها ومحاولاته المستميتة لإنقاذ الاتفاق، والتي لا جدوى منها.