المخرج السويسري الفرنسي الكبير (جان لوك جودار)، صاحب فيلم «كتاب الصورة» Le livre d’image ،وهو الفيلم الذي فجّر الكثير من التساؤلات حول موقفه مما يسمى «ثورات الربيع العربي، وتصوراته لدور قطر وأميركا في كل ما يحدث من فوضى في المنطقة. ووجه «جودار» نقداً لما سمي ب«الربيع العربي». ويدور جزء من أحداث الفيلم في إمارة خيالية أطلق عليها اسم (إمارة دوفة) في إشارة إلى الدوحة، حيث يظهرها كإمارة صغيرة الحجم يحلم رئيس وزرائها، بأن يجعل منها زعيمة «مملكة العرب السعيدة»، وحين يفشل في بلوغ مآربه يلجأ إلى تدبير ثورة زائفة لزعزعة الأوضاع القائمة. أحداث الفيلم تعبر عن واقع قطر، مع الفوضى التي عمت بعض الدول العربية التي أسهمت فيها قطر بالمال والإعلام (قناة الجزيرة) وتحريض تيارات الإسلام السياسي. الآن ارتد الوضع على النظام القطري، وأخذ التوجس يسيطر على تصرفاته، من الداخل القطري، خاصة بعدما سحب النظام جنسيات مواطنيه من القبائل الذي ترك سخطاً شعبياً في قطر، وتجاهل النظام لحقوقهم الأساسية ورفضه لمناشدة منظمات حقوق الإنسان، ولجهله صنع بيده «معارضة شرعية» ضد نظامه، ربما لا يتصور خطورتها حالياً. إزاء ذلك، يحاول تميم تحسين صورته في الداخل بالترويج لما يسمى بـ«تميم المجد»، فباتت صورة تميم، موضوعة على معظم جدران المباني، بزعم الاصطفاف الوطني وراء أميرها في مواجهة المقاطعة. وعلى المستوى الخارجي ينفق النظام القطري 1.7 مليار دولار شهرياً لـ«تبييض سمعته». في المقابل نرى قطر تشهد تراجعاً سياسياً واقتصادياً وانخفاضاً في مصداقيتها وتضاؤلاً في علاقاتها الإقليمية والدولية، لما شابها من شكوك في دعمها للإرهاب، وعدم إدراكها لمسؤولياتها الأمنية في مشاركة جيرانها، ضمن منظومتها الخليجية. صحيفة «ديلي تلجراف» تؤكد فداحة الخسائر التي ألحقتها مقاطعة الدول الأربع لقطر سياسياً واقتصادياً، وألمحت إلى أن الوضع الحالي يشكل تهديداً حقيقياً لفرص تنظيم الدوحة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، رغم الأموال التي تنفقها في هذا الشأن منذ نحو سبع سنوات. النظام القطري يتوهم أنه من خلال سياسته المعروفة بـ«الجمع بين المتناقضات» بوسعه الخروج من هذا المأزق التاريخي، الأمر الذي يسمح له بتوسيع علاقاته مع إيران، وفي الوقت ذاته الحفاظ على علاقاته مع أميركا. صحيفة «ديلي تلجراف» البريطانية نشرت تقريراً أشارت فيه إلى أن الإدارة الأميركية طالبت قطر بوقف تمويل الميليشيات الموالية لإيران. وبالنسبة لإيران، فإنها تعد أزمة قطر «فرصة ذهبية» لتجاوز المحاولات المتواصلة التي تبذلها إدارة ترامب لعزل طهران. كما سخر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي من تميم بن حمد بسبب تغريداته عن القدس وفلسطين بعد صمته الطويل عن المجازر الإسرائيلية بحق أهالي غزة التي راح ضحيتها أكثر من 63 شهيداً، قائلين إن إسرائيل حليفتكم أنت وأردوغان. وهناك تعاون قطري إيراني، يزداد في هذا المنحدر السياسي، الذي سيذهب بقطر ومعها إيران إلى ما يسمى «استحقاقات الساعة الحادية عشرة»، وهذا ما أفصحت عنه المعارضة القطرية في 26 مايو الحالي، أن النظام القطري سيقدم عرضه لإيران لتغطية انسحاب الشركات الأجنبية منها، بعد العقوبات الأميركية الأخيرة، عبر حلول شركات قطرية مكانها، لا سيما في مجال الاتصالات والتكنولوجيا والاستثمار السياحي. والتراخي الذي تبديه أميركا تجاه قطر، ربما يعود إلى بعض الإنشغالات الأميركية، في إطار ما تؤديه الدوحة من دور بما يطلق عليه عبدالوهاب المسيري «الجماعة الوظيفية»، التي يوكل لها بعض الأعمال «القذرة» في اتصالاتها مع المليشيات الإرهابية التي تحتاج أميركا إلى أن توصل إليها بعض رسائلها، لكن ذلك لن يستمر في ضوء الشروط والعقوبات الأميركية التي ستفرضها واشنطن على طهران. وعن سياسة قطر وهروبها إلى الأمام، نجد الجواب في تغريدة للدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، يقول فيها: «لم تتعامل قطر بحكمة مع إجراءات مقاطعتها وسعت إلى تحركات أججت أزمتها ولم تفكها». المخرج لن يكون عبر شركات العلاقات العامة والمناكفات الإقليمية والتدخل الخارجي لحل الأزمة، بل عبر مراجعة وتراجع عن سياسات سببت الضرر وأسهمت في دعم التطرّف والإرهاب.