لعل أهم ما يميز العمل الخيري والإنساني لدولة الإمارات العربية المتحدة أنه يستند إلى إطار مؤسسي فاعل؛ فهناك الكثير من الجمعيات والمؤسسات العاملة في المجال الخيري التي تقوم بدور حيوي في دعم الأهداف الإنمائية والإنسانية التي تسعى الدولة إلى تحقيقها، سواء من خلال تبرعاتها السخية، أو من خلال استجابتها السريعة للمبادرات الخيرية التي تطلقها الدولة للتعامل مع الأزمات والتحديات الإنسانية في مناطق الأزمات والصراعات المختلفة. وفي الوقت نفسه؛ فإن تجذُّر ثقافة العطاء وحب الخير بين أفراد المجتمع، وتنامي المسؤولية المجتمعية، من العوامل التي تعزز استدامة العمل الخيري في دولة الإمارات؛ ولعل هذا ما يتضح بجلاء في كل مرة تطلق فيها الحكومة حملة لجمع التبرعات لمصلحة متضررين من كوارث طبيعية أو حروب أو غيرها، حيث يكون التجاوب مع هذه الحملات كبيراً ومعبِّراً عن رصيد حب الخير المتعمِّق في تراث المجتمع الإماراتي. وإذا كانت دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل عنواناً للخير والنجدة، ورمزاً للعمل من أجل الدعم الإنساني لكل محتاج إلى هذا الدعم في كل دول العالم من دون استثناء؛ فإن هذا النهج الإنساني الراسخ والأصيل تظهر تجلياته بقوة ووضوح خلال شهر رمضان المبارك، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، حيث تتعدد المبادرات الإنسانية التي تصب كلها في تحقيق هدف واحد هو تعزيز التضامن الإنساني، وتقديم المساعدات إلى المحتاجين، وتخفيف معاناتهم الإنسانية. وفي الوقت الذي تعدُّ فيه دولة الإمارات من أهم ركائز العمل الخيري والإنساني على الصعيد العالمي، فإنها لا تألو جهداً في تعظيم مردودات الأعمال والمبادرات الخيرية، وتحويلها إلى عمل مؤسسي مستدام، وهذا ما عبر عنه بوضوح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في كلمته ضمن تقرير المدينة العالمية للخدمات الإنسانية 2017، الذي أطلقته المدينة رسمياً تحت عنوان «معاً لأجل الإنسانية»، حيث قال سموه: «نسعى إلى تحويل حب الخير إلى عمل مؤسسي مستدام، وتغيير مجتمعي ملموس، وفرق حقيقي في حياة الناس». ولا شك في أن مبادرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بإعلان 2017 عام الخير، شكلت نقلة نوعية مهمة نحو مأسسة واستدامة العمل الخيري والإنساني في الإمارات، وهذا ما تجسده بوضوح الاستراتيجيات والمبادرات التي تم إطلاقها خلال هذا العام، وفي مقدمتها الاستراتيجية الوطنية لعام الخير التي تستهدف مأسسة عمل الخير، وتعزيز مكانة دولة الإمارات على خريطة العمل الإنساني محلياً وعالمياً؛ فهذه الاستراتيجية تتألف من ستة مسارات هي المسؤولية المجتمعية للشركات، والتطوع، والدور التنموي للمؤسسات الإنسانية، بالإضافة إلى مسارات المنظومة التشريعية، وخدمة الوطن، والإعلام؛ حيث تتبنى هذه الاستراتيجية منظوراً شاملاً يسهم في مأسسة العمل الخيري واستدامته. وقد استطاعت دولة الإمارات تعزيز ريادتها في مجال العمل الخيري والإنساني على الصعيد العالمي، وليس أدل على ذلك من حفاظها، للعام الخامس على التوالي، على مكانتها ضمن أكبر المانحين الدوليين في مجال المساعدات التنموية الرسمية قياساً إلى دخلها القومي بنسبة 1.31%، وبما يقترب من ضعف النسبة العالمية المطلوبة التي حددتها الأمم المتحدة كمقياس عالمي لقياس جهود الدول المانحة (0.7%)، وذلك وفقاً للبيانات الأولية التي أعلنتها لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في شهر أبريل الماضي، وهذا لم يأتِ من فراغ، وإنما هو تجسيد حقيقي لتجذُّر ثقافة العطاء بين أفراد المجتمع، فضلاً عن فاعلية الجمعيات والمؤسسات العاملة في المجال الخيري والإنساني؛ فدولة الإمارات تعد من أكثر الدول العربية التي تضم عدداً كبيراً من الجمعيات الخيرية التي تقدِّم المساعدات إلى المحتاجين في الداخل وفي بقاع العالم المختلفة، وتأخذ هذه الجمعيات وجوهاً عدة، منها ما هو حكومي، ومنها ما هو خاص، وتعمل كلها من أجل هدف رئيسي هو تعظيم مردودات العمل الخيري، وضمان استدامته؛ من أجل استمرار مسيرة الخير والعطاء، وكذلك التصدي للتحديات الإنسانية في أوقات الأزمات والكوارث والصراعات. عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية