مر الآن عام كامل آخر أمضته قطر تغرد خارج السرب العربي بسبب دعمها للإرهاب، وممارساتها المشينة تجاه أشقائها العرب، وضلوعها في تبني وتمويل ورعاية تنظيمات إرهابية تعمل لصالح أجندات تضر بالأمن العربي، وارتمائها في أحضان النظام الإيراني، وارتهانها ألعوبة بيد التنظيم "الإخواني". والمتأمل لهذه الأزمة، وبداية تشكلها، يستطيع أن يرى مآلات التهور السياسي الذي تخبط في متاهاته النظام القطري والخسائر الفادحة على كافة الصعد التي تتعرض لها قطر بسبب غياب الوعي السياسي والاقتصادي لنظام "الحمدين"، وحجم المأساة التي يتسبب فيها هذا النظام للشعب القطري وتعريض مصالحه الوطنية للخطر المباشر. ففي خلال هذا العام تعددت أشكال الخسائر التي منيت بها قطر على الرغم من التظاهر الإعلامي الأجوف والكاذب بعدم التأثر اقتصادياً وسياسياً، ولعل أولى الخسائر القطرية، هو انفضاح أجندة نظام الدوحة التخريبية وانكشاف دسائسه ضد شعوب ودول المنطقة، وفقدانه الرمق الأخير من الثقة السياسية لدى الأغلبية الساحقة من دول العالم الأخرى، حيث لم يترك دعم الإرهاب لقطر صديقاً في المجتمع الدولي كله. وأما عن الخسائر الاقتصادية لنظام الدوحة فحدّث ولا حرج. ففضلاً عن النزيف المالي فقد فقدت قطر أيضاً الكثير من المستثمرين العالميين الذين أدركوا أنها ليست أرضاً آمنة للاستثمار في ظل وجود نظام «الحمدين» وتزعزع الثقة في البنوك والمؤسسات المالية إثر تدهور الاحتياطيات القطرية، واستنزاف الأصول لسد احتياجات أساسية، وأيضاً لتغطية سياسات النظام اليائسة، والبائسة، والمفلسة في كافة المجالات. وبلغة الأرقام المدققة الموثقة فقد تراجعت الاحتياطيات الدولية والسيولة بالعملة الأجنبية لدى النظام القطري منذ إعلان المقاطعة وحتى نهاية ديسمبر الماضي بنحو 29.6 مليار ريال قطري، لتصبح 136.9 مليار ريال في آخر 2017 مقابل 166.5 مليار ريال. والقيمة السوقية للبورصة القطرية خسرت 56.5 مليار ريال قطري في آخر 7 أشهر من 2017 لتصل إلى نحو 472 مليار ريال بنهاية العام. كما أغلقت 418 شركة نشاطها التجاري. وتصدر قطاع المقاولات قائمة الشركات الأكثر شطباً بنسبة 36%، تلاه تجار الأجهزة الكهربائية والإلكترونية والسلع العمومية والبقالة والتموينات ومواد البناء. هذا بالإضافة إلى أسعار العقارات التي تراجعت في قطر بنسبة 8.3%، والأهم من ذلك أن طيران «القطرية» فقد ما يقرب من 11? من شبكته و20? من الإيرادات، بعد المقاطعة العربية. وفي المقابل فقد حققت دول المقاطعة العربية العديد من المكاسب السياسية والأمنية بعد قرارها التاريخي بمقاطعة قطر، واتخاذها هذا الموقف الحاسم والجاد لكف ضرر العبث القطري بأمن المنطقة. حيث سجلت نتائج إيجابية للغاية على صعيد مواجهة الإرهاب، وقطعت اليد القطرية وإمداداتها عن التنظيمات المتطرفة في مناطق الصراعات، وأحرزت المنطقة تقدماً ملموساً في عدة جبهات لعل من أبرزها النجاحات المتلاحقة في اليمن، وتحرير مناطق عدة بعد طرد قطر من التحالف، وتوجيه ضربة قاصمة ضد تنظيم «القاعدة» في اليمن، وأيضاً تحرير مناطق حيوية وحاسمة في ليبيا، وخاصة بنغازي، بعدما منعت وقطعت الإمدادات القطرية للتنظيمات المتطرفة هناك، وأيضاً في العراق تم تحرير الموصل من الإرهاب وطرد مرتزقة «داعش» الذين كانوا يتغذون بأموال قطرية لإثارة العنف في المنطقة. والآن، بعد مرور عام، بات واضحاً تراجع خطر جماعات الإسلام السياسي والمجموعات المسلحة والمتطرفة على عدة صُعُد سواء في مناطق النزاعات، أو تلك التي تحاول الظهور إلى المشهد من جديد، الأمر الذي يعني أن على دول المقاطعة أن تظل أكثر تمسكاً بمواقفها ومطالبها، وأن كف ضرر النظام القطري عن المنطقة، مكسب عام للأمن الإقليمي العربي من جهة، بقدرما هو مكسب وطني لكل واحدة من هذه الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب. وأما النظام القطري فقد ظل طيلة هذه السنة المريرة من سيئ إلى أسوأ، فقد رأى أياديه الأخطبوطية الآثمة تقطع واحدة بعد الأخرى، ورأى الهرم الزائف من العلاقات المشبوهة الذي أقامه طيلة العقدين الماضيين يتهاوى على رأسه، ورأى أيضاً أن صبر المجتمع الدولي عليه وعلى منظماته الإرهابية وتحالفاته الإقليمية التآمرية قد نفد، ولم يبق أمام نظام «الحمدين» الآن إلا لحظة الحقيقة، لحظة الاستجابة الآن وفوراً لمطالب الدول الأربع كاملة غير منقوصة، ومن الألف إلى الياء.