أثارت مقترحات السياسة الاقتصادية للائتلاف الشعبوي في إيطاليا مخاوف الأسواق، وأدت إلى ارتفاع العائدات على ديون الحكومة. لكن شريكي الائتلاف وهما «رابطة الشمال» و«حركة خمس نجوم» قد يكونان على شيء من الصواب في مقترحهما عن الضرائب الثابتة المؤلفة من فئتين. وإيطاليا حالياً تطبق خمس فئات من الضريبة على الدخل تتفاوت من 23% إلى 43%. واقترح الائتلاف تقليص الضرائب إلى فئتين لتكون فئة نسبتها 15%. والأخرى 20%.. وهذا التقليص، في ظاهره، يهدد الحكومة بخسارة كبيرة في العائدات، لكن إذا كان لخبرة روسيا ودول أوروبا الشرقية أي قيمة فإن إيطاليا قد ينتهي بها الحال إلى جمع ضرائب أكبر رغم العقبات المتمثلة في تاريخ البلاد الطويل من سوء الالتزام وسوء التطبيق. وإيطاليا لديها مشكلة كبيرة في التهرب الضريبي. وتبلغ «فجوة الضرائب» الإجمالية بها ما يتراوح بين 16.5 مليار يورو و38.6 مليار يورو في العام. وبيانات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن إيطاليا لديها اقتصاد ظل أكبر من المتوسط الأوروبي وتبلغ نسبته 19.8% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 10.4% لدى ألمانيا و9.4% لدى المملكة المتحدة. وكانت روسيا قد أجرت إصلاحاً ضريبياً عام 2001 ألغت بموجبه نظاماً ضريبياً تصاعدياً على الدخل يعود إلى بداية التسعينيات وجعلت الضريبة نسبة ثابتة تبلغ 13% وأدى الإصلاح إلى زيادة في العائدات، ففي عام 2002، أي في العام التالي للعمل بنظام الضريبة الثابتة، نما الاقتصاد بنسبة 5%، بينما زادت عائدات الضرائب على الدخل بأكثر من 25%. وأتبع أكثر من 20 دولة روسيا في إجراء تعديلات مشابهة. ورغم أن بعض الدراسات الحديثة طعنت في كفاءة هذه البرامج، لكن الضرائب الثابتة المخفضة أتت أكلها بصفة عامة. وعلى سبيل المثال، طبقت بلغاريا ضريبة ثابتة منخفضة للغاية على الدخل بلغت 10% في عام 2008، أي نصف نسبة الفئة الأدنى من الضريبة سابقاً، وشهدت نتيجة لهذا زيادة في العائدات كنسبة من إجمالي عائدات الحكومة. ولم تحقق سلوفاكيا زيادة في العائدات حين ألغت حكومة يسارية ضريبة موحدة وعادت إلى العمل بنظام الضريبة التصاعدية. والميزة في الضريبة المنخفضة الثابتة هي أن الناس يجنحون إلى دفعها طوعاً بسبب سهولة استيعابها. أما الأنظمة الملتوية التي بها فئات متعددة وكثيرة تتطلب عملياً من دافعي الضرائب الحصول على مساعدات من متخصصين. أما القواعد الأبسط لضرائب الدخل فتكون أسهل أيضاً على أصحاب العمل، خاصة أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذين يتعين عليهم خصم الضريبة على الدخل من أجور عمالهم. وبخلاف الزيادة في العائدات الحكومية، أدت الضرائب الثابتة المنخفضة في أوروبا الشرقية إلى تأثيرات كبيرة على برامج الرعاية الاجتماعية التي تتمخض عن زيادة في الاستهلاك. وبالتالي يمكنها تعزيز عائدات الحكومة من ضريبة القيمة المضافة أو من ضريبة المبيعات. وإيطاليا ليست بارعة في جمع الضريبة على الاستهلاك، فالفجوة في ضرائب القيمة المضافة لديها تبلغ 25.8% مما يجب أن تجمعه الحكومة وتمثل أكبر فجوة في الاتحاد الأوروبي. والبلاد تجمع أقل مما ينبغي بنحو 35 مليار «يورو» في العام. والتحدي أمام الحكومة الشعبوية يتمثل في تحسين عملية الالتزام بدفع الضرائب واستغلال بعض المكاسب من الاستهلاك التي قد تتمخض عنها الضريبة الثابتة. وحقق الشعبويون في بلدان أخرى- وتحديداً في المجر التي تجمع ضريبة ثابتة على الدخل تبلغ 15%. وأحرزت بولندا التي بها نظام ضريبي أبسط بكثير من النظام الضرائبي الحالي في إيطاليا- نجاحاً ملحوظاً في زيادة ما تجمعه من ضريبة على الاستهلاك. ويتعين على هؤلاء الشعبويين الحصول على عائدات أكبر من الضرائب لأنهم، مثل الائتلاف الإيطالي الجديد، يجنحون إلى تقديم وعود اشتراكية مكلفة كي يجري انتخابهم. وهذه الوعود تبدو غير قابلة للتحقيق في البداية، لكن تمويلها يصبح ضرورة سياسية للشعبويين وهي تحفز السياسيين كي يحملوا أمر جمع الضرائب محمل الجد. ليونيد بيرشديسكي كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»