تلقى زملائي المحررون مؤخراً رسالة من البعثة الإيرانية الدائمة في الأمم المتحدة، اشتكى فيها المسؤولون السياسيون في طهران من أنني أسقطت بعض التفاصيل الصغيرة من تحقيق صحفي نشرته قبل بضعة أيام. وزعموا أن التحقيق تعوزه الدقة وطالبوا بإعادة نشر التصحيح المناسب. وخلال ما يزيد على عام ونصف العام، أطلقت الحكومة الإيرانية حملة شعواء مغرضة بحقي عندما كنت نزيلاً معزولاً تماماً في سجونها، وحرص السجانون الإيرانيون على أن يحجبوا عني كل وسائل الاتصال بالعالم الخارجي، وأنكروا علي حقي في الدفاع عن النفس. واختلقت الصحافة المحلية الموجهة مئات الأكاذيب الملفقة عن نشاطاتي على شبكة الإنترنت. وكان المسؤولون يرددون تلك المزاعم بالحرف دون أن يسألني أحد عن حقيقة ما حدث. لقد كان ذلك يندرج في إطار سلسلة طويلة من المواجهات المتواصلة التي تخوضها «الجمهورية الإسلامية» ضد حرية التعبير والتي ستخسرها بكل تأكيد، رغم أنها لن تعترف بالهزيمة التي تنتظرها. وجاء في تقرير جديد صادر عن اللجنة الدولية لحماية الصحفيين أن الرئيس الإيراني حسن روحاني لم يفعل شيئاً لتحسين السجل المخجل لإيران فيما يتعلق بحرية التعبير. وأشار التقرير إلى أن روحاني كان قد وعد بذلك أثناء حملته الانتخابية، لكن الآن، وبعد نحو خمس سنوات أمضاها في سدّة الحكم، من الواضح أنه حنث بوعده. ورغم كل ما حدث، فإن كثيراً من سكان إيران أصبحوا يتواصلون فيما بينهم بطريقة افتراضية بدلاً من الالتقاء وجهاً لوجه، وباتت منشوراتهم تفضح ما تنشره الصحافة الرسمية المأجورة، بما يؤدي إلى تغيّر كبير في إيران بطريقة تعجز السلطات عن مراقبتها والتحكم فيها. وتم استقاء مواد التقرير من خلاصة سلسلة مقابلات أجراها صحفيون كانوا يقيمون في إيران (وأنا واحد منهم). وهي تقدم صورة بالغة الوضوح عن محاولات النظام الإيراني مراقبة المعلومات والبيانات، مسجلا فشله في إنجاز هذه المهمة في كثير من الحالات. ويمكن لهذه الدراسة أن تفسر السبب الذي يدفع المسؤولين الإيرانيين لتجنب إجراء المقابلات الصحفية مع المحررين المتمرسين. وقد عايشت هذه التجارب المريرة عندما عملت في إيران، وأعيشها الآن بعد أن أصبحت مهتماً بتغطية أخبارها بانتظام وأنا أعيش في الخارج. ويذكر أن للنظام الإيراني سجلّه السيئ في مجال محاولة مراقبة نشاطات الصحفيين الإيرانيين العاملين فيما وراء الحدود ومضايقتهم بكافة الوسائل بما فيها اعتقال وسجن أقربائهم. وكثيراً ما وجهت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين توصيات مهمة للحكومة الإيرانية، مقترحة أن يبادر المسؤولون الإيرانيون لاعتماد مشروع قانون يؤكد على حرية الصحافة وعدم ملاحقة الصحفيين والكفّ عن محاولات حجب مصادر المعلومات على الإنترنت أو القنوات الإذاعية والتلفزيونية التي تبث برامجها عبر الأقمار الاصطناعية. لكنّ طهران أثبتت أنها لن تأخذ بأي من هذه النصائح، بل عززت من أساليب المراقبة. وأرسلت اللجنة أيضاً مجموعة توصيات إلى حكومات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تطالبها فيها بالعمل على تمكين الإيرانيين من ممارسة حقهم في حرية التعبير. لكن من المؤسف أن الدول التي تمثل المجتمعات الحرة تقاعست عن الأخذ بها. وخلال فترة التقارب مع إيران، كان الأوروبيون يركزون قليلا على القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان بدعوى أن الموقف يتطلب الاهتمام أكثر بإبرام الاتفاقية النووية، ما عزّز من مواقف روحاني. واليوم أصبحت هذه الاتفاقية موضع شك كبير بعد أن تخلّت عنها الولايات المتحدة. ولا زالت أوروبا تحظى بتأثير على إيران، وعليها أن تستخدمه للضغط على نظام طهران من أجل تحسين سلوكه مع مواطنيه. جيسون ريزايان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس» صحفي أميركي ونزيل سابق في سجون إيران