يصيب سرطان الأطفال أكثر من 175 ألف طفل كل عام، يلقى 96 ألفاً منهم حتفهم، مع تباين واضح في نسب الوفيات بين الدول الغنية المتقدمة والدول الفقيرة النامية. ففي الدول الغنية تصل نسبة الوفيات بين المصابين حوالي 20 في المئة فقط، وترتفع هذه النسبة في الدول الفقيرة لتصل من 80 إلى 90 في المئة. والملاحظ منذ سنوات وعقود مضت، هو ارتفاع معدلات إصابة الأطفال بالأمراض السرطانية، حيث ارتفعت معدلات الإصابة مثلا بمقدار 0.6 في المئة في الولايات المتحدة بين عامي 1975 و2002، وفي الدول الأوربية ارتفعت هذه النسبة بمقدار 1.1 في المئة بين عامي 1978 و1997. وترتبط بعض عوامل الخطر بزيادة احتمالات إصابة الطفل بالسرطان، مثل وجود تاريخ عائلي أو عوامل جينية وراثية، وهو العامل الذي يرد إليه من 5 إلى 10 في المئة من حالات إصابة الأطفال بالسرطان. العامل الآخر الذي تشير إليه أصابع الاتهام، والمسؤول أيضاً عن ما بين 5 و10 في المئة من حالات الإصابة، هو التعرض لعوامل بيئية خارجية، ليس من طرف الطفل فقط، وإنما أيضاً من طرف الأبوين كذلك، مثل تدخين منتجات التبغ، أو التعرض للأشعة الطبية، أو بعض أنواع الأدوية والعقاقير الطبية. وإن كان هذا يترك ما بين 75 و90 في المئة من حالات الأمراض السرطانية لدى الأطفال، غير معروفة السبب، أو حتى الارتباط بعامل خطر معين ومحدد. ولذا يفترض العلماء أن غالبية الحالات، هي نتيجة تداخل وتشابك عوامل خطر عدة، تتفاعل مع بعضها في ظل متغيرات وظروف غير مفهومة بشكل كامل. ولوقت طويل حامت الشبهات حول خطوط الكهرباء والضغط العالي، وحول الموجات الكهرومغناطيسية، أو بعض الكيماويات، إلا أن هذه الشبهات تم تفنيدها من خلال دراسات وأبحاث علمية. وإن كانت نفس هذه الدراسات والأبحاث، خرجت بنظرية جديدة ومثيرة، تتمحور حول البيئة فائقة النظافة التي أصبح يعيش فيها أطفال العصر الحديث، وخصوصاً في الدول الغنية والمتقدمة، وقلة تعرضهم للجراثيم المعتادة. وعلى حسب هذه النظرية، يؤدي عدم تعرض جهاز المناعة للميكروبات والجراثيم منذ سن الطفولة إلى اختلالات مرضية متنوعة وعدة، بما في ذلك أمراض الحساسية، وأمراض المناعة الذاتية، والأمراض السرطانية، وربما حتى مرض الشلل الرعاشي، أو الاكتئاب وتدهور الحالة النفسية. وتعرف هذه النظرية بنظرية «النظافة الزائدة»، وهي ترى بأن عدم التعرض في مراحل الطفولة المبكرة للجراثيم المرضية، والميكروبات غير المرضية، والطفيليات، والديدان.. يزيد من احتمالات الإصابة لاحقاً بأمراض مختلفة مثل الحساسية وغيرها، ويعيق جهاز المناعة عن نموه وتطوره بشكل سليم، مما يؤدي أيضاً للإصابة بأمراض المناعة الذاتية، وبالأمراض التي تصيب مكونات جهاز المناعة نفسه، مثل سرطان الدم أو اللوكيميا، وهو الوضع الذي يفاقمه الإفراط الحالي في استخدام المضادات الحيوية، ومخفضات الحرارة، والتطعيمات الطبية في مرحلة الطفولة. وهذه العوامل مجتمعة خفضت مثلا من احتمالات تعرض طفل العصر الحديث لنوبات الحمى الشديدة، في الوقت الذي تشير فيه بعض الدراسات الطبية إلى أن نوبات الحمى ربما كان لها دور في الوقاية من السرطان. وبخلاف البكتيريا والجراثيم الموجودة في البيئة المحيطة، تزايد مؤخراً إدراك الأطباء والعلماء لأهمية المجتمع الميكروبي الذي يقطن الجسد البشري والمعروف «بالميكربيوم». فمن الحقائق الغريبة والمثيرة في عالم الطب –والمكتشفة حديثاً نسبياً- هي أن عدد الميكروبات التي تقطن الأجزاء والأماكن المختلفة من الجسم البشري، يبلغ عشرة أضعاف عدد الخلايا البشرية. بمعنى أنه مقابل كل مليار من الخلايا البشرية الموجودة في الجسم، هناك عشرة مليارات من الميكروبات. وبخلاف التفوق العددي لهذا «المجتمع» الميكروبي، والذي يتراوح وزنه في بعض التقديرات ما بين 200 إلى 1400 جرام، ينظر البعض لمليارات الميكروبات تلك، على أنها عضو بشري جديد، يؤثر في العمليات الحيوية والفسيولوجية، داخل المنظومة الكاملة للجسم البشري، مثله في ذلك مثل الأعضاء الأخرى، كالقلب، أو الرئة، أو الكليتين، كما أنه يلعب دوراً مهماً في حالات الصحة والمرض.