بعد نحو عام على أزمة قطر التي هددت بزعزعة البيت الخليجي، تترسخ القناعة بأن قطر لازالت ماضية في طريقها رغم الانعكاسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأزمتها. فهي مستمرة في رفضها لكل المبادرات والحلول المطروحة. وقد صيغت مطالب الدول الخليجية من قطر بوضوح تام في اتفاق الرياض عام 2013 ثم في آلية تنفيذ اتفاق الرياض الصادرة عن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، ومن بعدها اتفاق الرياض التكميلي عام 2014 بين دول المجلس الخمس من جانب وقطر من جانب آخر. لقد تضمنت هذه الاتفاقات عدة مبادئ أساسية قبلتها قطر كاملة لإعادة سفراء المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين للدوحة، متضمنةً إقراراً من قطر بالاتهامات الموجهة إليها وجملة من التعهدات بدءاً بالامتناع عن التدخل في الشئون الداخلية لدول المجلس، والكف عن تهديد أمن هذه الدول بالامتناع عن استضافة أو تجنيس عناصر معادية لهذه الدول أو شخصيات أو منظمات مسيئة لها، وعن دعم أي حملات إعلامية أو وسائل إعلام مسيئة، بما في ذلك التعهد بقطع العلاقات مع «الإخوان المسلمين» والجماعات والتنظيمات المرتبطة بهم والتي تهدد الأمن والاستقرار في دول التعاون الخليجي، والامتناع عن إيواء واستضافة العناصر المرتبطة بـ«الإخوان». كما تضمنت التعهدات القطرية إقراراً بعدم تقديم الدعم للفصائل اليمنية التي تشكل تهديداً للأمن الإقليمي، وبإيقاف الحملات الإعلامية ضد مصر وعدم الإسهام في أي تهديد لأمنها واستقرارها. وتضمنت تلك الاتفاقيات التي وقع عليها أمير قطر تأكيداً بأن «عدم الالتزام بأي بند من بنود اتفاق الرياض وآلياته التنفيذية يُعد إخلالاً بكامل ما ورد فيهما». ويشير البند الأخير في الاتفاقية التكميلية الموقعة عام 2014، إلى أنه «في حال عدم الالتزام بهذه الآلية، فلبقية دول المجلس اتخاذ ما تراه مناسباً لحماية أمنها واستقرارها». وعليه كانت قرارات المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين في قطع العلاقات بقطر في 5 يونيو 2017 تفعيلاً لبنود الاتفاق. لقد جاء الكشف عن وثائق الاتفاقيات تلك ليؤكد للمتشككين أن كافة الإجراءات التي اتخذتها دول المقاطعة الأربع لها أسانيد قانونية، وأن المطالب الـ13 التي طرحتها الدول كأساس لأي تسوية سياسية تتضمنها أساساً وبلغة صريحة الاتفاقاتُ سالفةُ الذكر. فالموقف الخليجي كان جماعياً والاختلافات كانت في درجة التأثر لا في المضمون المتعلق بالسياسات القطرية. فاستمرار قطر في خرق الاتفاقيات يظهر جلياً في اعتمادها على أسلوب المناورة وكسب الوقت. لقد نقلت المقاطعةُ الخلافَ مع قطر من مرحلة الخلاف المستتر إلى مرحلة القطيعة المكشوفة، وبدلا من تلافي النتائج الكارثية لهذه القطيعة، تمادت قطر بتصعيد الأزمة بذريعة انتهاك سيادتها الوطنية فانتهكت الاتفاقيتين الأمنية والدفاعية الموقعة بين دول المجلس واستدعت الحرس الثوري الإيراني والجنود الأتراك لإقامة قواعد عسكرية على أراضيها، علاوة على استخدامها السيئ للإعلام. وأخيراً، وبعد عام من المقاطعة لم يطرأ تغير ملموس على السلوك القطري، لكن التكلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمقاطعة على قطر كانت باهظة، فخلال عام واحد عادت قطر إلى حجمها ووزنها الطبيعي، إذ انكشفت أمام العالم سياساتها الداعمة للإرهاب وأصبحت لا تستطيع المناورة، وتضاءل دورها الذي صنعته على مدى 16 عاماً كلاعب ووسيط سياسي في النزاعات الإقليمية والدولية. ومالم تتخذ قطر خطوات عملية وضوابط واضحة وآليات للالتزام بما تعهدت به من قبل، ولم تقبل بشروط المصالحة، فستستمر المقاطعة لها، إلى أن تغير سياساتها بما يتوافق مع التوجهاتِ العامة لمجلس التعاون ومصالح دوله.