لا ريب في أن تعيين الحزب الجمهوري لمروجين بارزين للكراهية ضد المسلمين باللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية هو أمر مزعج ولافت للانتباه، فهو يكشف النهج المضلل والمعيب الذي يتبناه الجمهوريون تجاه المؤسسة المسؤولة عن تعزيز الحريات الدينية. وقبل عشرين عاماً، مرّر الكونجرس، بتشجيع من الأصوليين الدينيين في جناح اليمين بالحزب الجمهوري، قانون الحريات الدينية الدولية، وتم وصفه كمحاولة لترسيخ برنامج تعددي لضمان مكانة دائمة للحريات الدينية في تركيبة السياسة الخارجية الأميركية. ولإنجاز هذا التفويض، تأسس مكتب الحريات الدينية الدولية في وزارة الخارجية الأميركية، بموجب القانون، وترأسه «سفير فوق العادة». وكان ذلك المكتب معنياً بمراقبة حالة الحريات الدينية حول العالم، وتحديد الدول التي تحدث فيها انتهاكات خطيرة، ومن ثم تقديم توصيات بالخطوات التي يتعين على الولايات المتحدة اتخاذها من أجل الضغط على تلك الدول لكي تراعي الحريات الدينية. وفي إطار التفويض، طُلب من المكتب إعداد وإصدار تقرير سنوي مفصل بشأن أحوال الحريات الدينية في «الدول التي تمثل مصدر قلق». وإلى ذلك، تم تأسيس «اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية» بموجب قانون الحريات الدينية الدولية، وتتألف من مفوضين معينين من قبل البيت الأبيض وقيادة الكونجرس. وهذه اللجنة معنية بمراجعة تقرير الحريات الدينية السنوي الصادر عن وزارة الخارجية، والتعليق على نتائجه، وتقديم توصيات وملاحظات للكونجرس والإدارة. وعندما تمت مناقشة التشريع، عارضه بقوة بعض المنظمات، ومنها المذاهب البروتستانتية الأميركية والكنيسة الكاثوليكية والمنظمات العربية والإسلامية الأميركية، إضافة إلى دبلوماسيين في الخارجية الأميركية. وكانت هناك تحذيرات مبكرة من أن «قانون الحريات الدينية الدولية» سيستغله المؤدلجون اليمينيون في الدفع بأجندتهم بشأن الدول الأخرى من دون إدراك أن ما قد يفعلونه ربما يكون ضره أكثر من نفعه لضحايا الاضطهاد الديني؛ وسيثبط جهود الدبلوماسيين والقادة الدينيين لتعزيز التسامح والتفاهم الديني؛ ومن خلال النظر بسذاجة إلى الصراعات كافة عبر منظور الحريات الدينية متجاهلين الأسباب السياسية والاجتماعية لكثير من تلك الصراعات حول العالم، مما سيصعب على صناع السياسات معالجتها. وبإنشاء وفرض هيكل زائف للحقوق، ووضع أولويات الحريات الدينية فوق الحريات الأخرى، يتم تقويض الجهود الرامية إلى حماية جوانب الحقوق المدنية والسياسية. لذلك، فإن قانون الحريات الدينية الدولية ربما يعتبر طموحاً نبيلاً، لكنه كان مشروعاً معيباً منذ بدايته، ومحكوماً عليه بالفشل. وبعد مرور 20 عاماً وإنفاق مئات ملايين الدولارات، تبدو حالة الحريات الدينية أسوأ مما كانت عليه عندما تم تمرير القانون، ولا يمكن أن يشير مؤيدو القانون إلى أي تغييرات إيجابية تمخضت عنها جهودهم. وتنطوي اللجنة الأميركية للحريات الدينية الدولية على مشكلة خاصة بسبب دورها المبهم. ففي البداية كان المتصور أن يصبح دور اللجنة مكملاً لمكتب وزارة الخارجية، وأن يكون أعضاؤها من كلا الحزبين، وأن تعمل كمجموعة خارجية تراجع وتقيِّم، ومن ثم تقدم توصيات مستقلة حول القضايا أو المخاوف التي لم يتناولها تقرير الخارجية الأميركية بشأن الحريات الدينية. لكن بمرور الوقت، بدأت اللجنة تضع أجندتها الخاصة، وتكتب تقريرها المنفصل، وتصدر رسائل مفتوحة وبيانات صحافية توبّخ الحكومة بسبب إخفاقها في معالجة مخاوف اللجنة. وبدلاً من إيجاد سبل لإحراز تقدم على صعيد حماية الحريات الدينية، أضحت معايير التقدم تحسب بعدد الزيارات التي قام بها أعضاء اللجنة «للبحث عن الحقائق» وعدد المرات التي نقلت عنهم الصحف، وكثرة الدعوات التي تلقوها للحديث عن الحريات الدينية!