بفضل قروض من شركاء الاتحاد الأوروبي ومن صندوق النقد الدولي، صمدت اليونان ثمانية أعوام في وجه عواصف مالية وسياسية، لكنها تواجه عواصف جديدة قد تغرق فيها بسبب سياسات الرئيس دونالد ترامب في الشرق الأوسط وتعارض المصالح هناك. والخطر على اليونان ربما يبدو ثانوياً، مقارنة مع الخطر الآني للصراع الإقليمي وحتى احتمال حدوث المزيد من نزيف الدماء بمناطق أخرى، لكنه يوضح العواقب غير المرئية لتهور التصرفات الأميركية. فانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران وقرارها بنقل سفارتها في إسرائيل إلى القدس قد يتسبب في سلسلة من الأحداث التي قد تعرض التعافي الاقتصادي اليوناني الهش للخطر. ومع انتهاء الاتفاق الأخير من اتفاقات الإنقاذ الدولية الثلاثة في أغسطس المقبل أكدت الحكومة على أن اليونان ستصبح قريبا بلدا "طبيعيا" قادرا على الصمود في الاقتصاد الدولي. لكن الاضطراب في المنطقة قد يخلق تهديدات جديدة لاقتصاد وأمن البلاد بل وعلاقاتها مع شركائها الأساسيين؛ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فاليونان تواجه بالفعل مشكلات مع جارتها تركيا التي يخوض رئيسها رجب طيب أردوغان حملة لإعادة انتخابه معتمدا على إذكاء الروح الوطنية ضد الأكراد في سوريا وتركيا والعراق في الأساس وضد الولايات المتحدة واليونان. وتفاقم علاقات أنقرة بواشنطن والعواصم الأوروبية حول مجموعة من القضايا أدى إلى المزيد من الضغوط على اليونان مثل الزيادة الكبيرة في المهاجرين واللاجئين القادمين من تركيا في الشهور القليلة الماضية. وكل هذا يلقي الضوء على المخاطر التي تواجهها اليونان باعتبارها دولة تخوم بين الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط المضطربة. لكن توثيق العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل في هذا الوقت قد يخلق أيضاً تعقيدات في الداخل لرئيس الوزراء إليكسيس تسيبراس. فإذا تورطت الولايات المتحدة وإسرائيل في المزيد من إراقة الدماء مثلما حدث مع افتتاح السفارة الأميركية في القدس، فلن تجد الحكومة اليونانية ما يغريها بأن تبدو مقربة منهما. فهناك عدة جماعات يسارية تحرص على إثبات أنها أكثر معادة الإمبريالية من حزب "سيريزا" اليساري الحاكم. والشهر الماضي حين نفذت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ضربات صاروخية ضد سوريا ردا على الاشتباه في استخدام النظام السوري الحاكم للأسلحة الكيماوية، حاول محتجون من الحزب الشيوعي في أثينا اسقاط تمثال للرئيس الأميركي السابق هاري ترومان. وسياسة ترامب تجاه إيران وإسرائيل قد تؤدي إلى إثارة الشقاق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخاصة إذا نفذ المسؤولون الأميركيون وعدهم بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية التي تمارس نشاطا اقتصاديا مع طهران. وهذا قد يكون أكثر شؤماً على اليونان من التوترات مع تركيا، وحينها ستواجه أثينا خيارات صعبة وخطيرة. فقد اعتمدت اليونان، العضو في الناتو، على الولايات المتحدة باعتبارها حليفها الأساسي منذ عام 1947 حين ساعدت واشنطن الحكومة اليونانية في التغلب على القوى الشيوعية. كما أن اليونان عضو أيضاً في الاتحاد الأوروبي وأن شركاءها في أوروبا تعهدوا بمعظم صفقات الإنقاذ الثلاث وقيمتها 326 مليار يورو منذ عام 2010. والتعافي الاقتصادي اليوناني يعتمد على التفاوض مع الشركاء الأوروبيين في خفض ديونها العامة التي بلغت 318.3 مليار يورو العام الماضي. ولذا لا تستطيع أثينا عزل نفسها في أوروبا بالتحيز إلى الولايات المتحدة في أي نزاع كبير. لكن لا يمكنها الاعتماد على القدرات الدفاعية الناشئة للاتحاد الأوروبي في منطقة يتفاقم عدم استقرارها. وعدم الاستقرار هو أكبر تهديد آني، فأي زيادة كبيرة في أسعار النفط وحدوث قلق في الأسواق ومخاوف أمنية إقليمية قد ينفر السياح والمستثمرين من البلاد مما يقوض مساعي التعافي الاقتصادي في اليونان. نيكوس كونستانداراس* ـ ـ ـ ـ ــ ــ *كاتب في صحيفة "كاثيميريني" اليونانية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"