يتسع الفارق بين صورة العرب والمسلمين، كما هي في الواقع، وتلك التي تحل برؤوس الغرب حين يرانا، لتصير في خاتمة المطاف مجرد صورة مجازية، شكلتها السياسة، سواء بأحداثها الراهنة، أو حمولاتها التاريخية التي سجلتها الحوليات والكتب والتقارير التي كتبها ساسة ورحالة ومستشرقون، وبعض الدراسات الأنثربولوجية والاجتماعية، أكثر مما سجلتها الحقائق والوقائع. فالعربي «الشهواني»، و«المسلم الإرهابي» ليسا سوى انعكاس لرغبة من أراد أن يصورهما على هذا النحو، ناعتاً إياهما بكل الصفات والسمات المرتبطة بالشهوانية، التي انداحت وصنعاً في المجمل صوراً عديدة كانت بمثابة «إنشاء كتابي»، جعلت من الشرق اختراعاً غربياً، على وجه التقريب، كما يقول إدوارد سعيد. فقد قدم الإعلام الغربي قوالب نمطية سلبية جاهزة في تعاملها مع العرب وقضاياهم السياسية والفكرية. وجل هذه القوالب مستحضر من التاريخ السابق على الحادي عشر من سبتمبر 2001، وزاد الوضع سوءاً بعد هذا الحدث الرهيب، بعد أن دخلت جهات منظمة على خط تشويه الصورة العربية واستخدام الإعلام ووسائله. فالإعلام الغربي راح يُكرس جهداً وفيراً للحملة على العرب، وتشويه صورتهم، بعد أن انتهى من تشويه صورة الزنوج والهنود الحمر وبعض الأقليات التي تعيش في أوروبا وأميركا. ووصلت هذه الصورة المشوهة إلى مناهج التعليم نفسها، في مختلف المدارس الغربية، لتصبح جزءاً من مضامين التنشئة الاجتماعية. في الحقيقة، فإن الصورة المجازية السلبية المنطبعة فى الذهن الغربي عن العرب والإسلام ليست وليدة السنوات الأخيرة، بل تضرب بجذورها فى عمق تاريخي بعيد، فقد استمر وعي الغرب بصورة العربي الموروثة عن القرون الوسطى يقوم على أسس انفعالية مجبولة على العداء، وهذا الوعي المشوه واصل سيره حتى القرن العشرين، بتعديلات محدودة، ليساهم فى علاقة التبعية بين الدول العربية والغرب، مثلما ساهم فى حركة الاستعمار. وبالطبع فإن هذا التصور العدائي والمتحامل لا يمكن رده إلى الأفراد، بل إلى المنظومة الحضارية الغربية برمتها، فى جوانبها السياسية والاجتماعية والإعلامية. ويعزى هذا الإدراك المشوه إلى جهل الغرب بالماضي والحاضر العربى، باستثناء بعض الاختصاصيين، الذين تكبدوا عناء تعلم اللغة العربية والسفر مراراً إلى الوطن العربي والبحث عن المعلومات من مصادرها الأولى، فإن الغربيين قلما يعرفون واقع الوطن العربى. ويفضح «سلين ليزلي» تضاؤل المعرفة الغربية بحقيقة العرب أو الجنوب عموما بقوله: «في مجال المعرفة المتبادلة، هناك أسطورة راسخة: الشمال يجهل تماماً ما هو عليه الجنوب، في حين أن الجنوب يعرف الشمال تمام المعرفة بفضل النخب التي درست في الجامعات الغربية. وهذه الخرافة لا تقاوم النقاش. فمعرفة العالم العربي والإٍسلامي التي تراكمت في الغرب جعلت أي دراسة لا يمكن إنجازها دون الاعتماد على هذا الرصيد من الأعمال والوثائق الموجودة هناك. وعلى العكس من ذلك، نجد معرفة تامة بأوروبا وأميركا في المدارس والجامعات العربية والإسلامية». عدم العودة إلى المصادر، أو تعمد التحيز، جعل وسائل الإعلام هي المنفذ الرئيسي، إن لم يكن الوحيد، في تشكيل الصورة المجازية العربية الإسلامية المنطبعة في الذهن الغربي. وهنا نجد أن الإفراط فى الإعلام الحدثي يميل فى الغالب إلى تشويش الأفكار وخلط الأوراق والمسائل وحجب الرهانات. والرأي العام المضلل يلجأ إلى المقولبات والأحكام المسبقة، التي تقوم على تفسير واقع الوطن العربي بالأصولية والعنف والثروة النفطية ومعاداة الغرب والهجرة. فهذه القضايا تساهم في تكريس الصورة القديمة للشرق في إدراك الغرب على أنه مقاتل ومتعصب واستبدادى وشره للاستهلاك. لكن ذلك لم يمنع من تفهم بعض عناصر النخب السياسية والفكرية الغربية لطبيعة الدين الإسلامي، ووجود «أوجه متعددة للمسلمين»، على حد ما ذكر واحد من أكثر الباحثين الغربيين تعمقاً في دراسة ظاهرة الإحياء الإسلامي الحديثة، وكذلك وجود اختلاف بين المسلمين أنفسهم في التوجهات السياسية والفكرية، وفي نمط علاقتهم بالآخر، وخاصة الغرب، لكن صوت أصحاب هذه الرؤية لا يزال خافتاً مقارنة بالمروجين لفكرة صدام الحضارات، الذين وجدوا مؤسسات تتبنى وجهة نظرهم المغلوطة، في سبيل تحقيق أهداف سياسية معنية فى المحيط الخارجى، وهو تصور تتصاعد حجيته مع تصاعد إرهاب تقوم به جماعات وتنظيمات ليست بعيدة بأي حال من الأحوال في نشأتها، وأسباب تمددها واستمرارها عن يد الغرب.