نحن نعلم جميعاً أن عمل البنوك والمصارف بعيد كل البعد عن العاطفة، والأرقام في النهاية هي التي تتحدث. ولربما كانت المسؤولية المجتمعية والمساهمة في تنمية أفراد المجتمع وتطوره تقع في آخر سلم أولويات تلك المؤسسات، مما جعلها تؤمن أن الحكومات هي وحدها التي يجب أن تتحمل مسؤولية كل ذلك مسؤولية كاملة، مع أنها لا تدفع حجم الضرائب التي يجب أن تدفعه مقارنة مع أرباحها السنوية والجمهور أو العملاء أصبحوا مجرد مدخلات ضمن معادلات الربح والخسارة وهبات عشوائية ارتجالية للمجتمع تصب في خانة الدعاية والتسويق، أكثر من التنمية ومصلحة الوطن والإنسان. وارتباط المؤسسات المالية الاستثمارية والمصرفية والبنكية بالسلطة وثيق ويرفع من أسهم مشاريع وخطط الحكومات المحلية لدى الشارع، ولهذا تتجنب بعض الحكومات المساس بمصالح المؤسسات المالية وتوكل للبنوك المركزية الدور الرئيسي في ضبط منظومة البنوك والمصارف. وبالرغم من القوانين والتشريعات التي تصدرها البنوك المركزية إلا أن البنوك وخاصة في دولنا الخليجية تقدم تسهيلاتها وخاصة القروض الشخصية، التي يعتبرها البعض «حبل مشنقة» يُلف على رقاب العملاء، ويتحايل موظفو المبيعات والتسويق على قوانين البنوك المركزية بنظام تحايل ذكي يورط المستهلك على المدى الطويل، ويدخله في متاهات لا حصر لها. وهناك نظام كامل يتعاون فيه موظفون من جنسيات معينة مع زملائهم من نفس الجنسية في القطاعات الأخرى، كأن يصدر لشخص في سن معينة شهادة طبية تشير إلى أنه لائق طبياً وكل ذلك لتجاوز القوانين والتشريعات التي تحد من وقوع العملاء في فخ الديون الدائمة والفوائد المتراكمة والتصاعدية. ومسألة كيفية عمل البنوك لجذب زبائنها ودرجة التأثير الذي تمارسه على عملية جعل العميل القوة الدافعة لتعاظم أرباحها من القروض حيث تسير النسبة الأكبر من الاستقطاع الشهري لتسديد الفائدة والأقل نحو الدين الحقيقي مما يجعل العميل تمر عليه السنوات وهو لا يشاهد انخفاضاً يذكر في الحجم الكلي للدين الملقى على عاتقه، وبعض البنوك المركزية لا تحرك ساكناً نحو هذه الممارسات بما أنها تتم بموافقة الطرفين ناهيك عن آليات تمويل المشاريع، وأين يوجه الاقتصاد لتتحكم البنوك في جزئية مهمه وحساسة من أجندة التنمية الاقتصادية وخاصة في القطاع، الخاص لتتمكن بفعالية من تحديد مسار المال المستثمر حيث يذهب المال نحو قطاعات معينة في الاقتصاد. وهذا يعني أن البنوك لديها القدرة على تشكيل الاقتصاد وتستخدم هذه القوة لدفع أسعار المنازل، وتضخيم الفقاعات المالية كالمضاربات، وتجويع الشركات الصغيرة للاستثمار وبالمقابل لا يوجد أي التزام قانوني باستخدام هذه القوة الضخمة لمصلحة المجتمع ككل، وليس لدينا أي وسيلة لإخضاع المؤسسات المالية للمساءلة عند استخدامها لنفوذها بشكل سيء طالما أن هناك ثغرات قانونية تحميها وتحمي مصالحها. فعادةً تتركز القوة لخلق المال مع عدد قليل من الناس في الجزء العلوي في أكبر البنوك، والنسبة الأكبر من المال توجد في بنوك تعد على أصابع اليد الواحدة، وأفضل مثال على ذلك في المملكة المتحدة، حيث 85% من المال موجود على دفاتر خمسة بنوك فقط، ويتم التحكم في هذه البنوك الخمسة من قبل 78 عضواً فقط أعضاء مجلس الإدارة، الذين يتخذون القرارات الرئيسية وهي كمية هائلة من السلطة تتركز في أيدي قلة قليلة جداً، مع عدم وجود الشفافية أو المساءلة للمجتمع على نطاق أوسع. وبدلاً من ذلك، فإن الأشخاص الذين يديرون البنوك يهتمون في المقام الأول بزيادة ربحية المصرف، وذلك بزيادة القروض والسلف وفوائدها ومن الخطير وغير المنطقي أن تترك هذه القوة في أيدي أشخاص ليس لديهم مساءلة تجاه المجتمع. وقد أظهرت الأزمة المالية مدى حدة عواقب القيام بذلك وخاصة عندما تكون لدى البنوك قدرة شرائية أكثر من الحكومة وجميع الأموال تتكون من الودائع المصرفية (أي الأموال الإلكترونية) وبالتالي معظم الناس لا يدركون أن القدرة على خلق المال قد تحولت إلى البنوك، وهي مسألة تؤثر تقريباً على كل جانب من جوانب مجتمعنا، وخاصة عندما لا يكون للبنوك دور واضح وحيوي في المساهمة في دعم وتعزيز المبادرات الخدمية المجتمعية والعلمية البحثية والابتكارات، التي تخدم المجتمع والتوجهات الإيجابية في ميادين اجتماعية مثل رعاية المبادرات التعليمية للمتفوقين والمخترعين، وتقديم الدعم والمساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة والأيتام والمطلقات، وإطلاق حملات التوعية البيئية والتوعية ضد الأمراض، والمساهمة في مبادرات تمكين ذوي الدخل المحدود والفقراء من بدأ مشاريع صغيرة بالمشاركة مع البنوك من خلال حوكمة مالية متعقلة تعظم فرص النجاح لجميع الأطراف.