يعرف الأشخاص الذين يتابعون مقالي أيديولوجيتي السياسية، فأنا «يميني». لكن إذا كان التقدميون يؤمنون عموماً بتوسيع دور الحكومة في تعزيز المساواة، ويحاول الليبراليون تقليص الحكومة لتعزيز الحرية، فإن «اليمينيين» يسعون لاستخدام حكومة محدودة لكن نشطة لتعزيز الحراك الاجتماعي. وفي القرن التاسع عشر، أثناء ذروة نشاطهم، روّج «اليمينيون» مشاريع البنية التحتية والتعليم الحكومي والاستثمارات المشتركة بين القطاعين العام والخاص، وبرامج بناء الشخصية لتأسيس مجتمعات رأسمالية ديناميكية يمكن للشباب والفتيات الفقراء الازدهار والنجاح فيها. واحترم اليمينيون الناس والمناطق ممن اتسموا بالجرأة والاتزان الانفعالي والحماسة الروحانية، وقد حققوا انطلاقة تاريخية عملاقة ألهمها «ألكساندر هاميلتون»، وقادها «هنري كلاي» و«دانيل ويبستر»، وتعززت بفطنة شديدة على أيدي أبراهام لينكولن وثيودور روزفيلت في بداياته. ومنذ ذلك الحين، تلاشت النزعة اليمينية من الحياة الأميركية. وثمة محاولة واعدة يُطلق عليها اسم «الحزب اليميني المعاصر» يحاول تجديد الحركة اليمينية، لكن حتى الأسبوع الماضي، كان يتملكني انطباع بأنه لم يتبق سوى 24 يمينيا منّا! لكن بعد أن قرأت كتاب «جيمس وديبورا فالوس»: «مدننا»، أدركت الآن أن اليمينيين هم القوة السياسية الأكثر أهمية في أميركا في الوقت الراهن. لكن المسألة أن هؤلاء الناس لا يطلقون على أنفسهم وصف «يمينيين»، وإن كانوا متواجدين على المستويات كافة. وخلال السنوات الخمس الماضية، استقل الزوجان «فالوس» طائرتهما الصغيرة وجابا عشرات المدن من «إيسبورت» في ولاية «مين» إلى «ريدلاندز» في كاليفورنيا. وقد توصلا إلى أنه رغم تدهور المناخ السياسي على المستوى الوطني، إلا أن المدن الصغيرة قد انتعشت. ومع وجود حالة استقطاب على الصعيد الوطني، يعمل الناس في المجتمعات المحلية بفاعلية لإنجاز ما يتعين إنجازه. ويقدم كتابهما صورة جماعية لنحو 42 قصة نجاح، وبالنسبة لأي شخص لديه توجه يميني، تبدو تلك القصص دائرة مألوفة. ومعظم المدن تروي قصة نهضتها الخاصة، فقد كانت لديها صناعات مزدهرة، قبل أن تنهار، وهي الآن تعيد بنائها بصناعات وثروة جديدة. وقد بدأت مدن كثيرة التعافي بمشاريع البنية التحتية التي أنعشت قلبها. ففي «جرينفيل» بجنوب كاليفورنيا، تمت إزالة جسر قديم على طريق سريع، واستبداله بممشى فخم على طول نهر «ريدي»، وهو الآن مكان للمنتزهات والمقاهي. وفي «فرينزو»، بكاليفورنيا، أزيل سوق للبائعة الجائلين أعاق التنمية في وسط المدينة، وحلت الآن محله شوارع واسعة تشجع على زيارة المكان والقيام بأنشطة فيه. والبارقة الأخرى المشتركة في تلك المدن هي أن من يقودها في كثير من الأحيان قادة بارزون في قطاع الأعمال، كانوا رواد أعمال وأصحاب توجه متمدن في الوقت ذاته. وفي تلك المناطق، إذا أصبحت ناجحاً، فمن المتوقع أنك ستصبح ناشطاً في الحياة المجتمعية. وعلى سبيل المثال، جاء «مايك جالو» إلى سان بيرناردينو في ولاية كاليفورنيا كضابط صغير في سلاح الجو الأميركي، ثم ما لبث أن تركه لينضم إلى شركة رائدة في تكنولوجيا الصواريخ الجديدة، ثم ساعد في تأسيس شركة تكنولوجيا الفضاء. وعندما نجحت الشركة، أسّس «جالو» مؤسسة تعليمية غير ربحية أطلق عليها اسم «مركز تدريب التوظيف التقني». وترشّح بعد ذلك في مجلس إدارة مدرسة ليصبح رئيسها. وأخيراً، لدى تلك المدن قصص تمدن آسرة، وروايات واضحة بشأن ما كانت وما ستكون، وما يجعلها مميزة. وعُمد تلك المدن ليست لديهم أية طموحات على المستوى الوطني، ففي مدنهم يحققون أسمى مناصبهم. وفي الوقت الراهن، في عصر النهضة المحلية والمأساة الوطنية، أسمع الناس يتساءلون حول ما إذا كان ممكناً أن تصبح أميركا مثل إيطاليا.. عاجزة على الصعيد الوطني، لكن لديها مدناً قوية ونمط حياة محبوبا. والحقيقة أنني لا أتصور ذلك، فالتنمية المحلية لا يمكن أن تمضي قدماً إلا عندما تكون السياسة الوطنية نشطة، بيد أن الخبر السار هو أن حلول مشكلاتنا المدنية موجودة بالفعل، ومثلما كتب الزوجان «فالوس»: «تكمن الحلول في تلك القصص، لكنها فردية ومنفصلة». ديفيد بروكس يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»