من الاعتبارات التي يؤكد القانون التزام الكافة بها هي الآداب العامة، والتي تعرّف بأنها مجموعة المبادئ النابعة من المعتقدات الدينية والأخلاقية المتوارثة والعادات‏? ?والأعراف ?المتأصلة ?في ?مجتمع ?ما، ?في ?زمان ?معين، ?والتي ?يعد ?الخروج ?عليها ?انحرافاً ?مرفوضاً. ومن الواضح أن الآداب العامة بهذا التعريف مفهوم نسبي، إذ لو وضع شخصان من عمر واحد وخلفية واحدة قائمة بذلك، فمن المرجح أنهما سيختلفان كثيراً أو قليلاً. ويمكن تفادي عواقب تلك المطاطية حين تتطلب طبيعة التصرف موافقة القانون قبل مباشرته، فمثلاً يشترط القانون ألا يكون الاسم التجاري ماساً بالآداب، فإذا قدّرت الجهة المعنية بالتسجيل أن الاسم الذي اختاره التاجر لمؤسسته يمسّها، فإنها ستمتنع عن تسجيله. وتبدأ آثار نسبية ذلك المفهوم في الظهور في التصرفات التي لا تكون عرضة لتقديرات السلطة إلا بعد مباشرتها وترتيب الالتزامات عليها، فلو تعاقد شخصان على أمر حسباه غير مخالف للآداب، ثم حدث أن وقع خلاف بينهما ورفعاه إلى القضاء، ورأى القاضي أن محل التعاقد مخالف للآداب، فإنه سيحكم ببطلان العقد. والإشكالية تكون أكبر حين يكون عدم مراعاة الآداب موجباً للمؤاخذة، فمثلا لا يجوز للصحف نشر آراء تتضمن انتهاكاً لحرمة الآداب العامة، ولا أن تتضمن الإعلانات عبارات أو صوراً تنافي الآداب، ومخالفة ذلك تفتح باب المسؤولية الجنائية. وإذا كان للأشخاص الاعتباريين تقاليد تجنّبها الاقتراب من منطقة الخطر، فضلاً عن الخبرات التي تمتلكها، فإن الشخص الطبيعي، العادي، مطالب بالالتزام بمفهوم لا يعرف سقفه ولا حدوده، وهو إلى ذلك أعزل من الدروع التي تجنبه الوقوع في المحظور. فالقانون مثلاً يعاقب من يأتي بأي قول أو فعل من شأنه أن يخل بالآداب، أو يجهر علانية بأغان أو يصدر عنه صياح أو خطاب مخالف للآداب، أو يبث أو يرسل أو ينشر صوراً أو أفلاماً من شأنها المساس بالآداب العامة. قد لا تثور هذه الإشكالية في المجتمع المنغلق، إذ يتلمّس أهله حدود الآداب من واقع أنها تشير إلى معتقداتهم وعاداتهم وأعرافهم، والحال ليس هكذا في مجتمع مفتوح يعيش إلى جانب مواطنيه جاليات كثيرة لها معتقداتها وعاداتها. وبطبيعة الحال معتقدات وعادات أهل البلد هي المصونة وفق مفهوم الآداب العامة، وفي المقابل يصعب إلزام الوافدين على البلد بمراعاة مفهوم نابع من معتقدات وعادات لا يعرفونها. ولا يمكن في هذا السياق تجاهل تأثير الإنترنت وتطبيقاته وبرامجه، في فرض أنماط من السلوك صارت مقبولة في عُرف مستخدميه من أبناء البلد الواحد، وربما كانت غير مقبولة لدى جيل آبائهم. إذا كان تحديد السلوك المخالف للآداب مسألة غير عملية، لأننا سنكون بصدد أطنان من القوانين، خصوصاً أن الحياة متغيرة ويصعب توقع ما قد يأتي به الغد، فيمكن على أقل تقدير النص في القانون على العناصر الرئيسية لمفهوم الآداب العامة، إذ إن الوضع الحالي مربك مع مفهوم قابل لتفسيرات وتأويلات وتقديرات مختلفة، في مجتمع متعدد‏? ?الثقافات، ويتغير? ?بسرعة، والجميع? ?مطالب? ?تحت? ?طائلة? ?العقاب? ?بعدم? ?مخالفة? ?ذلك? ?المفهوم.?