لم يفتأ الاتحاد الأفريقي يظهر حيوية مؤسسية في أجهزته وهيئاته على اختلافها؛ ففي مطلع العام الماضي انتخب لرئاسته الدورية «ألفا كوندي» (الرئيس الغيني) بعد انتهاء فترة سلفه الرئيس التشادي، كما انتخب في مارس من العام الماضي أيضاً التشادي «موسى فكي» رئيساً لمفوضيته خلفاً للجنوب أفريقية «دلاميني زوما».. ويوم الخميس الماضي أعاد الجهاز «التشريعي» للاتحاد، وهو «برلمان عموم أفريقيا»، انتخاب رئيسه المنتهية ولايته «نكودو دانغ» بفوزه على منافسَين تقدما لشغل المنصب نفسه. فمن هو «دانغ»؟ وما مهامه ومسؤولياته كرئيس للبرلمان الأفريقي؟ «نكودو دانغ» سياسي كاميروني، وعضو في حزب «الحركة الديمقراطية لشعب الكاميرون» الحاكم، وكان عضواً في برلمان بلاده، ثم انضم للبرلمان الأفريقي ليصبح نائب رئيسه، ثم رئيسه، وأخيراً تم التجديد له على رأس المنصب ذاته. وقد ولد «نكودو دانغ» عام 1963 في قرية «فانغ-بيكانغ 1» بمقاطعة «نيونغ-مافومو» في المنطقة الوسطى للكاميرون. وهناك نشأ بين أقرانه من أبناء قوميته «يبكولو»، وهي أقلية عرقية صغيرة لا تكاد توجد خارج مقاطعة «نيونغ-مافومو»، ولا يتجاوز عددها نحو 23 ألف نسمة من أصل العدد الإجمالي لسكان الكاميرون البالغ 23 مليون نسمة. وكشأن العديد من أبناء محيطه وجيله، فقد أنهى «دانغ» دراسته الابتدائية والثانوية في مدارس المقاطعة، ثم التحق بالجامعة الحكومية في ياوندي، عاصمة المنطقة الوسطى والعاصمة القومية للكاميرون ككل. وفي الجامعة درس العلوم الإدارية والشؤون الدبلوماسية، ثم حصل على الماجستير في العلاقات الدولية. وفي الجامعة أيضاً انضم إلى حزب «الحركة الديمقراطية لشعب الكاميرون» بعد وقت قصير من تغيير اسم الحزب الذي كان حتى عام 1985 «الاتحاد الوطني الكاميروني»، وكان الحزب الوحيد الحاكم في البلاد منذ نيلها الاستقلال عام 1960 واتحاد شطريها (البريطاني والفرنسي) كدولة واحدة في العام نفسه. في ذلك الوقت تأسس «الاتحاد الوطني الكاميروني»، كحزب وحيد حاكم، على يدي الرئيس الأول لجمهورية الكاميرون أحمدو أهيدجو، الذي هيمن على الحياة السياسية فيها طوال 22 عاماً، قبل أن يستقيل لأسباب صحية ويحل محله رئيس وزرائه «بول بيا» في عام 1982. وحزب «الحركة الديمقراطية لشعب الكاميرون» هو الذي رشح «دانغ» لدخول الجمعية الوطنية (الغرفة السفلى في البرلمان الكاميروني) في عام 2008، ممثلا لدائرة «نيونغ-مافومو» في المنطقة الوسطى، بدعم من «كافاي يغوييه دجيبريل»، القيادي بالحزب ورئيس البرلمان منذ عام 1992. وكان «دانغ» طوال سنوات عمله في البرلمان الكاميروني، معبِّراً عن سياسات الحزب وتوجهاته، وكان عضواً في لجنة الدفاع والأمن التابعة للجمعية الوطنية. والحزب أيضاً هو الذي دفع بترشيح «دانغ» لعضوية البرلمان الأفريقي في عام 2012، كما وقف بقوة وراء ترشيحه في عام 2014 لرئاسة هذا البرلمان، حيث فاز بالمنصب في مايو 2015، بحصوله على 85 صوتاً مقابل 70 لمنافسه الموزمبيقي «إدواردو جواكويم موليمبويه»، و9 أصوات فقط لمنافسه الآخر التونسي «المنجي الرحوي» (القيادي بـ«حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد»). وبذلك حل «دانغ» محل النيجيري «بيثيل نانيميكا أمادي»، وأصبح رابع رئيس لبرلمان عموم أفريقيا منذ إنشائه عام 2004، إذ كان أول رئيس له هو التانزاني «جرترود مونجلا»، أعقبه التشادي «إدريس اندلا موسى»، ثم النيجيري «بيثيل أمادي» الذي خلفه «دانغ» نفسه الخميس الماضي. وبرلمان عموم أفريقيا هو الجمعية الاستشارية الرقابية للاتحاد الأفريقي، وقد تم إنشاؤه بموجب المادة 5 من دستور الاتحاد، وتم تنصيبه رسمياً يوم 18 مارس 2004. وهو منظمة قارية تضم الدول الأعضاء الـ53 في الاتحاد، بواقع خمسة نواب لكل دولة، يتم اختيارهم من قبل البرلمانات الوطنية، وفق التمثيل النسبي لأحزاب السلطة والمعارضة، على أن تكون بينهم امرأة واحدة على الأقل. لذلك يتكون البرلمان الأفريقي من 263 عضواً، يتم تجديدهم كل ثلاث سنوات. ويوجد مقره في منطقة «ميدران» الصناعية بين جوهانسبيرغ وبريتوريا في جنوب أفريقيا. أما عن مهام رئيسه، فهو المسؤول السياسي والإداري الأعلى في هذه المؤسسة، وهو يشرف -إلى جانب أربعة نواب آخرين للرئيس يمثلوا الأقاليم الفرعية الخمسة للقارة الأفريقية (جنوب، وسط، شمال، غرب، شرق)- على الإدارة البرلمانية للمؤسسة، ويرأس جميع اجتماعاتها، باستثناء اجتماعات اللجان الدائمة، كما يمثلها في علاقاتها بالمنظمات الأجنبية، ويشارك في قمم الاتحاد الأفريقي، حيث يقدم تقريراً عن النشاط السنوي لبرنامج عمل البرلمان ويعرض ميزانيته البالغة نحو 30 مليون دولار، والتي تشمل التكاليف التشغيلية للمقر، وتكاليف تذاكر الأعضاء وإقامتهم خلال دورات انعقاد البرلمان القاري. وطوال دورة رئاسته السابقة لبرلمان عموم أفريقيا، أظهر «دانغ» مستوى ملحوظاً من المسؤولية، وتحدث في كل القمم الأفريقية عن مشكلات القارة وضرورة مواجهة أكثرها أولوية؛ لاسيما مشكلات الفقر والبطالة والهجرة وضعف البنية التحتية والمخاطر البيئية المستجدة. بل ذهب للدفاع أمام الجمعية الوطنية الفرنسية عن خطة لكهربة أفريقيا، وقال في خطابه أمام النواب الفرنسيين، في نوفمبر 2015، إن إحدى أكبر المشكلات التي تواجهها القارة الأفريقية هي «الإغراق في الظلام»، إذ هناك 600 مليون أفريقي يفتقرون للكهرباء، أي أن 75% من الأفارقة لا يحصلون على الحقوق الأساسية من الضوء والكهرباء. وكشف عن عمله على بلورة مشروع «خطة مارشال» لكهربة القارة، بالتعاون مع «جان لوي بورلو»، البرلماني والوزير الفرنسي السابق، وقال إن المشروع يتطلب تمويلا بنحو 50 مليار دولار، وفترة إنجاز تصل عشر سنوات. ورغم أن مركزه استشاري رقابي فحسب، وليس مركزاً لصنع القرار داخل الاتحاد الأفريقي، فإن مواقف «دانغ» من قضايا أفريقية عديدة، هي مما جعله يفوز بسهولة في انتخابات الخميس الماضي، حيث حصل على 133 صوتاً من أصل أصوات 222 عضواً شاركوا في الاقتراع، مقابل 49 لمنافسه الأساسي المرشح الزيمبابوي. ورغم فوزه المستحق بولاية ثانية على رأس البرلمان الأفريقي، ومدتها ثلاث سنوات، فإن البعض يعتبر وجود «دانغ» على رأس مؤسسة تمثل الوجه الديمقراطي التمثيلي للاتحاد الأفريقي، نشازاً وعدم انسجام، لاسيما بالنظر إلى انتمائه لإحدى أكثر التشكيلات الحزبية أحادية في أفريقيا، أي حزب «الحركة الديمقراطية لشعب الكاميرون» الذي يتزعمه «بول بيا»، أحد أطول الرؤساء الأفارقة مكوثاً في السلطة. ويشير المنتقدون إلى الدعم الكبير الذي قدمه «بيا» وحكومته من أجل انتخاب «دانغ» في عام 2015، حيث التحق به في مقر حملته الانتخابية في جوهانسبيرغ كل من نائب رئيس الوزراء الكاميروني والممثل الخاص للرئيس «بيا».. وإلى دعم رسمي مماثل حظي به في الانتخابات الأخيرة لعام 2018. بل يذهبون أبعد من ذلك في انتقادهم، قائلين إن «دانغ» كان على وشك فقدان مقعده في البرلمان الأفريقي في عام 2013، حين وضعه حزبه على رأس قائمته في منطقة «ميونغ ومفومو» خلال الانتخابات التشريعية لذلك العام، فبدا للوهلة الأولى أن القائمة خسرت أمام قائمة رجل الأعمال الثري «جان كلود بكولو مبانغ»، لكن بإرادة رسمية تقرر أن تتم إعادة فرز نتائج الاقتراع في منطقة «ميونغ -مفومو»، فجاءت النتائج الجديدة لمصلحة «دانغ»، لكي يحتفظ بمقعده في الجمعية الوطنية، وتالياً بمقعده في البرلمان الأفريقي، بل ليصبح رئيساً لهذا الأخير. وأمام حماس البعض للحديث عن «حيوية» النموذج المؤسسي الأفريقي، مقابل ما يعتبرونه جموداً بيروقراطياً طالما ظل يخيم على جامعة الدول العربية، يميل بعض المتابعين الأفارقة إلى إبراز الوجه الآخر «غير المؤسسي» و«غير الديمقراطي» لمؤسسات اتحادهم القاري، رغم كل ما به من إيجابيات وأوجه تقدم وإشراق تدعو للتفاؤل بمستقبل الاتحاد وذراعه البرلمانية (برلمان عموم أفريقيا). محمد المنى