كعادته تميز مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في تنظيم الفعاليات العالمية العلمية لوضع النقاط على الحروف وفق أرقى المنهجيات المتبعة في أعرق مراكز الأبحاث العالمية. خلال الأسبوع الماضي كانت هناك ندوة مهمة لمعالجة قضية أرقت العالم ولا تزال، أنها ندوة الإرهاب في المنطقة، وبالرغم من أن الإمارات العربية المتحدة بلد الأمن والأمان هذا الحصن الذي لم يتأثر بصورة مباشرة بالعمليات الإرهابية التي تجري من حولنا في المنطقة، إلا أن العاقل من اتعظ بغيرة وكانت له خطواته الاستباقية للتعامل مع هذه القضية، وهذا ما وفقت فيه قيادة الإمارات بخططها الاستراتيجية ونظرتها بعيدة الأمد للتطورات العالمية والإقليمية، ومن هنا ندرك مرامي كلمة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، يقول فيها: (إن هذه الندوة تأتي لمناقشة تطور ظاهرة الإرهاب في المنطقة في السنوات الأخيرة، وآليات مواجهتها، ولاسيما بعد الخسائر التي مُني بها تنظيم «داعش» الإرهابي في كل من سوريا والعراق، وتوجهه إلى مناطق جديدة لتعزيز نفوذه فيها). وَمِمَّا يميز هذه الندوة أن المشاركين فيها هم خبراء من دول تأثرت كثيراً بالعمليات الإرهابية حيث شهدت نشأة بعض تلك الجماعات وهجرتها واتساعها، فمن المشاركين في الندوة الجنرال «جهانجير كارامات»، الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة في القوات المسلحة الباكستانية، والذي أشار إلى أن التهديد الإرهابي تحول في الآونة الأخيرة إلى تهديد لا مركزي يصعب التنبؤ به، في ظل الاستراتيجيات والتكتيكات التي تتبعها الجماعات والتنظيمات الإرهابية. ومن المشاركين في الندوة كذلك سعادة السفيرة رنا رحيم، سفيرة باكستان السابقة في الجمهورية اللبنانية، التي قالت إنه لا يوجد هناك توافق على تعريف من هو إرهابي، وذلك بسبب اختلاف المعايير التي على أساسها يتم التصنيف. ثم تطرقت إلى بعض الجماعات التي تم تصنيفها إرهابية من قبل بعض الدول، ومنها جماعة «الإخوان» التي انتقلت من جمعية خيرية إلى حركة سياسية. الجانب الذي تلمسته الندوة وغفلت عنه ندوات أخرى هو ما أسميه بالصناعة الخفية للإرهاب، فقد كثر الحدث في المؤتمرات عن الأسباب الاقتصادية لنشأة الإرهاب ودور الجماعات الدينية في تغذية الفكر المتطرف ورفد التجمعات الإرهابية بالقوة البشرية، لكن نادراً ما يتم التطرق للإرهاب في إطار الأبعاد السياسية ووجود دول راعية وداعمة للإرهاب، فبعد نشأة «طالبان» وقبلها الدعوة للعمليات الجهادية للقضاء على الوجود الروسي في أفغانستان، أسهمت أنظمة دولية في تحول تلك التجمعات إلى ما يشبه فرق المرتزقة لكنها ترفع شعارات دينية، تقوم دول على تحديد مواقع نفوذها فتنتقل تلك الفرق إلى بؤر الصراعات كي تغذيها تحقيقاً لأجندات دولية باتت واضحة لعامة الناس قبل خاصتهم، فهجرة «القاعدة» من أفغانستان إلى بقية دول العالم أسهمت فيه إيران رغم اختلاف مذاهبهم الدينية، إلا أن مصالحهم تقاطعت في ذلك فاستفاد بعضهم من الآخر. ومن يتابع انتقال فرق «داعش» من العراق إلى سوريا فليبيا، يدرك أن وراء ذلك الحراك أمر دُبر بليل، فتحركات أرتال مع القوات بكامل عتادهم يتم تحت أعين الاستخبارات الدولية المشاركة في هذه المؤامرة، هناك دول تغض الطرف عن هذا الحراك، ودوّل تموله وأخرى تُسهل عملياته اللوجستية، وفوقهم دول عندها الصورة الكلية، وتعمل من وراء الستار تحقيقاً لأهدافها الاستراتيجية. وقد أعجبني ما خلصت له الندوة إلى أن الاستراتيجية الناجحة للقضاء على ظاهرة الإرهاب ينبغي أن تعمل على القضاء على مسبباتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، حيث إنه لا يمكن القضاء على هذه الظاهرة إذا لم تعالج أسبابها.