اتهامات سياسية وأيديولوجية ونفسية لا حصر لها تم توجيهها للسينما الأميركية، وما من كتاب يتحدث في أي مجال اجتماعي أو أدبي أو غيره، إلا ويتطرق لذكر بعض أفلامها أو أبطالها أو كُتابها ومخرجيها. ومن أسباب النجاح الدولي الذي أحرزته هوليود، كَتَبَ الأميركي برادفورد سميث عام 1957، في كتاب تُرجم للعربية بعنوان «الإنسان الأميركي» Why We Behave Americans. يقول عن أفلام هوليود: «إنها عَرَفت من البداية - نظراً لأننا شعب كله من المهاجرين - كيف تتجاوب مع مشاعر كافة الشعوب بأفلامها التي تدور حول الاحتياجات والمخاوف الأساسية للإنسان ووسائل تحقيق الأمن أو التغلب على الصعاب». ولعل أكثر ما يعمق تأثير هذه الأفلام، يضيف "سميث" تنوعها «فأفلام رعاة البقر بأحداثها المثيرة في مقاومة العدوان، وأفلام العصابات والمطاردة العنيفة بين الجناة ورجال البوليس وأصوات الصفارات التي تنطلق من سيارات رجال البوليس فتثير الذعر في أولئك الذين خالفوا ضمائرهم، والأفلام الغرامية التي تحلق بالمشاهد في أجواء الخيال.. هذه الأفلام تخاطب المشاهدين بلغة دولية يفهمها الناس جميعاً». غير أن السينما الأميركية، يلاحظ «سميث» أساءت إلى سمعة المجتمع الأميركي! فـ«من سوء حظ أميركا أن المشاهدين الأبرياء في مختلف أنحاء العالم استقر في أذهانهم أن جميع الأميركان رعاة بقر ورجال عصابات وعشاق، وهم لا يحاولون مرة أن يعكسوا نفس الفكرة على أفلامهم وشعوبهم. ومن ثم فقد أصبحت الصورة المزيفة المزرية عن الولايات المتحدة في الخارج هي ثمن النجاح الذي حققته هوليود في صناعة السينما، وهي صورة تصر على الرغم من زيفها على تشويه الحقائق عن البلاد ومعاهدها». غير أن قرار الأميركان.. كان يحمل جانباً من المسؤولية: «ومنذ أن ارتفعت صيحات الاحتجاج على كل فيلم يقوم بدور الشرير فيه مواطن مكسيكي أو عربي أو من أي جنس آخر، فقد صممت هوليود ألا يكون المجرمون في أفلامها إلا من الأميركيين. وهكذا واجهنا برجولة ومقابل مثل هذا الثمن، وظيفة «الشرير العالمي»، وأولئك الذين يحقدون على القوة المحتدمة النامية للولايات المتحدة في شؤون العالم وجدوا أننا قد مهدنا لهم طريق كراهيتنا.. ألسنا نحن الذين قلنا عن أنفسنا - في هذه الأفلام - أننا رجال عصابات وبلطجية وأغنياء خاملين». [الإنسان الأميركي، ترجمة تماضر توفيق، القاهرة 1957، ص 324 - 326]. بدأت صناعة السينما في أوروبا وأميركا مع نهاية القرن التاسع عشر، ولكن السينما الأميركية سرعان ما تحولت إلى صناعة جبارة لا تكاد تقترب منها دولة أخرى، وغدت أفلامها الكبرى من نقاط التحول التاريخية والفنية والتقنية في هذه الصناعة. وقد أثار فيلم «ذهب مع الريح» اهتمام «الموسوعة البريطانية» فقالت عنه عام 1966 إن الفيلم الذي انتج عام 1939 كان أحد أكثر الأفلام شعبية وانتشاراً، وقد جعل هذا الفيلم التلوين السينمائي أمراً بالغ الأهمية في الإنتاج. وكان الفيلم من بطولة «كلارك جيبل» و«فيفيان لي»، وتدور أحداثه حول الحرب الأهلية الأميركية التي خلد الشريط السينمائي بعض مشاهدها في الأذهان إلى الأبد.. فكأنهم عاشوا خلالها! ويضم كتاب لصحيفة «صنداي تايمز» عن إعلام القرن العشرين الألف ممن اعتبرتهم «صُناع حضارة القرن»، بطل فيلم ذهب مع الريح «كلارك جيبل» (1901 - 1960) إلى هؤلاء المشاهير، والذي قام بتمثيل نحو تسعين فيلماً قبل أن يتوفى قبل بلوغه الستين. ويقول الكتاب إن جيبل «كان يتمتع بجاذبية فريدة من نوعها، وقد استطاع أن يحتكر لقب ملك هوليود لسنوات عديدة، كما شارك في الحرب العالمية الثانية ونال جائزة صليب الطيران وميدالية سلاح الجو لقيامه بعدة غارات جوية على ألمانيا». تناول د. محمد الرميحي في العدد 289 من مجلة "العربي"، عندما كان رئيس تحرير المجلة الكويتية المعروفة، حياة مؤلفة رواية "ذهب مع الريح" بأسلوب شائق، فكتب عن عدة مفاجآت في سيرتها: «من القصص الطريفة في مجال الخلق والإبداع قصة «مارجريت ميتشل» الصحفية الشابة التي كانت طريحة الفراش نتيجة حادث طريق عادي، فعندما كانت تقطع الطريق مع زوجها في أحد شوارع مدينة «أتلانتا» الأميركية، اجتاحتها سيارة مسرعة أقعدتها عن الحركة لمدة ثلاث سنوات كانت أثناءها مقيدة الحركة، وحتى تقضي على المعاناة التي لازمتها وكذلك للتخفيف عن زوجها، داومت على القراءة إلى أن جاء الوقت الذي لم يستطع فيه زوجها أن يجلب لها كتباً جديدة من مكتبة الحي، فاقترح عليها أن تكتب هي بدلاً من أن تقرأ فحسب!». ولدت الروائية «ميتشل» في نفس المدينة عام 1900 وعملت مراسلة بعض الوقت ما بين 1922 - 1926 لصحيفة «اتلانتا جورنال» قبل أن يتسبب هذا الحادث في إيذاء ركبتها وبالتالي هجر عملها الصحافي، وانكبت لعشر سنوات على كتابة روايتها «ذهب مع الريح» والتي لم تكتب غيرها، ونشرت في يونيو 1936. تقول «الموسوعة البريطانية» إن الكاتبة نالت جائزة بولتزر الأميركية للآداب عام 1937. وقد اشترت هوليود القصة مقابل خمسين ألف دولار، ونال الفيلم كذلك عام 1940 جائزة الأوسكار التقديرية، وتقول مصادر أخرى عام 1939، وربما المقصود 1939 - 1940. كانت رواية «ذهب مع الريح» بالتأكيد، تصنيف الموسوعة، أكثر الروايات مبيعاً في تاريخ النشر الأميركي. فقد تم بيع مليون نسخة منها في الأشهر الستة الأولى بعد النشر، وبيعت نحو خمسين ألف نسخة في يوم واحد. وبعد عامين، أي سنة 1939، بيع مليونا نسخة منها. وعندما توفيت الكاتبة، كانت النسخ المباعة قد جاوزت الثمانية ملايين نسخة. ولا أعرف على وجه الدقة دخل العرض السينمائي داخل وخارج الولايات المتحدة!