لا يوجد شك في دور إيران الداعم للإرهاب في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي، وفي العديد من مناطق العالم الأخرى، فهي تستضيف العديد من قادة «القاعدة» السابقين وقادة وفلول «طالبان»، وهي تدعم المخربين والإرهابيين في البحرين، وعدد من التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا، و«الحوثيين» في اليمن وتمدهم بأنواع الأسلحة المتطورة كافة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية التي يضربون بها المدنيين العزل في مدن المملكة العربية السعودية، وهي التي خلقت «حزب الله» في لبنان، وقس على ذلك الكثير من مظاهر دعم الإرهاب الأخرى. وهذه جميعها تمس جوانب الأمن الوطني لدول العالم العربي، وربما أن ذلك لا يدل على قوة إيران ذاتها في اختراق الأمن الوطني للدول العربية المعنية عن طريق ممارسة الإرهاب الممنهج، بل يدل على ضعف هذه الدول نتيجة لاعتمادها في أمنها الوطني على قوى أجنبية، فمثل هذا الاعتماد يقود إلى إضعاف شديد لقدراتها في حماية نفسها من الاختراقات كافة. الدليل على ما نطرحه هو أن الجهود المبذولة حتى الآن لحل مشكلات الدول العربية في سوريا والعراق واليمن والبحرين وليبيا ولبنان وفلسطين - قطاع غزة على الأقل - والمساعي المبذولة لمواجهة الإرهاب فيها جميعها مكبلة، ويتم توجيهها من قبل طرف غير عربي هو إيران، فالاعتماد على الأجانب والغرباء دائماً ما يفرض أجندات جيوسياسية غير عربية، غالباً ما تكون تخريبية وتصب في غير صالح العرب، وتفتح أبواباً واسعة للإرهاب على مصراعيها، وبالتالي تجعل من حل أزمة الصراع أكثر تعقيداً وتشابكاً، وتغذي عدم الاستقرار. وهنا دعوني أسوق فكرة أنه من المفهوم أن الدول العربية المعنية تكرر أخطاءها الماضية عن طريق البحث عن حلول للتحديات التي تواجهها في أحضان دول أخرى غير عربية ربما تكون في حقيقتها عدواً لدوداً لكل ما هو عربي، وإن كان ذلك من خلف ستار وملفوفاً في عباءة سوداء. والخطوة الصحيحة الأولى باتجاه الاستجابة الفعالة للتحديات التي تواجهها الدول العربية المعنية على صعيد الإرهاب هي أن تقوم بإيمان وصدق بطرق مشاكلها الداخلية، والضغط من أجل المزيد من التعاون الإقليمي العربي الفعال لكي تمسك بزمام الأمور بوسائل علمية مدروسة وممنهجة ومخطط لها من أجل مستقبل أجيالها القادمة. وفي هذا السياق، يستطيع العرب عن طريق وحدة الصف أن يبنوا مواقعهم تجاه جيرانهم من غير العرب، سواء كانوا إيرانيين أو أتراكاً أو أفارقة، لأن الهوية العربية هي التي يمكن لها أن تقوي قدراتهم على الصعد كافة، خاصة أمنهم الوطني والقومي. لقد استطاعت إيران توسيع نفوذها الإقليمي على مدى العقدين الماضيين، لذلك فإن أسئلة حادة تدور في الأذهان، تتضمن تطلعاتها في العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان، وتصريحاتها لإثارة القلاقل والانقسامات في مصر وليبيا والجزائر، وموقفها الداعم بلا حدود لنظام الأسد في سوريا، ودعمها الحثيث للحركات المتطرفة في جميع الدول العربية، ونفوذها الذي تجذر في العراق وسوريا، ومنهجها العنفي تجاه البحرين واليمن، هي تعبيرات واضحة لدعمها للإرهاب ولتطلعاتها الجيوسياسية. الإرهاب الذي تدعمه إيران توجد له تنظيمات إرهابية بدأت نشاطاتها الإجرامية كأنشطة داخلية ثم تحولت إلى عابرة للحدود أو مركب من كلا النوعين، خاصة «داعش» و«القاعدة» و«حزب الله» اللبناني، وإلى حد ما «الحشد الشعبي» العراقي من خلال تدخله في سوريا. لذلك فإن إيران هي التي عملت على بلورة ذلك وتشجيعه من زاوية أن أعمال الإرهاب العابر للحدود لها بواعث أيديولوجية عالية تعمل طهران على تحقيقها، وترتبط بشعارات «تصدير الثورة»، على الأقل في أوساط الكوادر القيادية الإيرانية، والأمثلة على ذلك كثيرة، بما في ذلك قيادات «القاعدة» و«داعش» و«حزب الله» والتنظيمات الإرهابية في البحرين و«بوكو حرام» والجماعات الإسلامية في دول آسيا كالهند وباكستان وإندونيسيا وماليزيا، وهي جميعها تنادي بالقضاء على النفوذ العربي وإقامة الدولة الإسلامية. وجميع هذه التنظيمات والجماعات ضالعة في منظومات من الإرهاب المحلي والعالمي. وفي الوقت الذي يصعب فيه الفصل بين بواعث الجماعات الإرهابية للقيام بأي من نوعي الإرهاب، يبدو بأنه توجد اختلافات في وجهات النظر بين داعميها من جانب وقياداتها وكوادرها من جانب آخر. وهذا مهم بشكل خاص لأن إيران هي التي تحرك الضلوع المحتمل لبعض الكوادر بشكل مختلف عندما يتم إغراؤهم من تنظيم إرهابي تحركه الأيديولوجيا الدينية على المستوى العالمي.