لا تبدو آفاق ترشيح «جينا هاسبل» لإدارة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جيدة، فمثلما كشفت «واشنطن بوست»، تحدث مساعدون في البيت الأبيض إلى «هاسبل»، الجمعة الماضي، لحملها على سحب ترشحها. وأفادت «سي إن إن» أمس الأول، بأن هناك مرشحة احتياطية، إذا لم يتم تثبيت «هاسبل»، هي «سوزان جوردون»، نائبة المدير الحالي للاستخبارات الوطنية. وإذا صحت التقارير بشأن المرشحة الاحتياطية، فإنها تبطل أقوى حجج ترشيح «هاسبل»، والسبب في أن زملاءها في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد مارسوا ضغوطاً بصورة غير ملائمة من أجل ترشيحها، وهو خشيتهم من أن يكون البديل لها هو السيناتور الجمهوري المؤدلج وغير المؤهل للمنصب، «تيم قطن»، والذي سيُسيّس الاستخبارات. فإذا كان بديل «هاسبل» هو مسؤولة بوكالة الاستخبارات لم تتورط في فضائح التعذيب وإتلاف الأدلة، عندئذ سيصعب تبرير رغبة أعضاء مجلس الشيوخ المترددين في المجازفة بالتصويت لها، خصوصاً عندما يكون القيام بمثل هذه المجازفة من شأنه إضفاء شرعية على أساليب التعذيب الممنهج. لكن من الواضح أن الرئيس ترامب يتصور أن إعادة فتح النقاش بشأن أساليب التعذيب ليس مجازفة بالخوض في معركة أخلاقية على أرض وعرة، وإنما فرصة سهلة لوصم الديمقراطيين بأنهم متعاطفون مع الإرهابيين. وغرّد ترامب أمس الأول، في محاولة لإبداء موقف صارم، قائلاً: «إن مرشحتي التي تحظى باحترام كبير لمنصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، جينا هاسبل، تعرضت لانتقادات شديدة لأنها كانت قاسية على الإرهابيين.. تصوروا أنه في هذه الأوقات العصيبة، لدينا أكثر شخصية مؤهلة، وهي امرأة، لكن الديمقراطيين يريدون استبعادها لأنها كانت صارمة تجاه الإرهاب.. أتمنى لك النصر يا جينا!». والحقيقة هي أنه يمكن للمرء أن يكون صارماً في وجه الإرهاب، ويظل معارضاً للتعذيب. وهذا بالتحديد هو موقف وزير الدفاع «جيمس ماتيس»، الذي قال أثناء مقابلة تثبيته في المنصب: «أعطوني حزمة سجائر وبعض المشروبات، وسأفعل بذلك أفضل مما يمكن أن أفعله بالتعذيب». وقد قبل ترامب على مضض وجهة نظر «ماتيس» بشأن حظر التعذيب، لكنه يُصرّ على أنه «يجدي نفعاً». ومن منظور محدود جداً، يبدو ترامب محقاً، فالتعذيب يستخلص معلومات، لكن ماتيس محق أيضاً: فالاستجواب المصاحب للتعاطف يستخلص المعلومات أيضاً. وإذا كان التعذيب يمكن أن يستخلص معلومات أكثر وأسرع، فلا يعني ذلك أنه يجدر القيام به. فدائماً ما يفتضح أمر عمليات التعذيب، وهو ما يتسبب في ردود أفعال قوية تفوق في خطورتها أهمية أية معلومات قد يتم استخلاصها عن طريق «الإيهام بالغرق» أو «أوضاع التوتر» أو «الحرمان من النوم» أو أساليب التعذيب الأخرى. وهو أمر لم أستطع في الماضي تقديره عندما كنت أكثر تعاطفاً مع «أساليب الاستجواب المعززة»، كوسيلة في الحرب على الإرهاب. وللولايات المتحدة تجربة تظهر النتائج العكسية للتعذيب، لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، عندما لجأت إدارة بوش إلى استخدام «أساليب التعذيب المعززة»، في مواقع سوداء، من بينها ذلك الموقع الذي أدارته «هاسبل» في تايلاند. ولا يزال الجدل دائراً بشأن ما إذا كانت تلك الأساليب قد تمخضت عن معلومات مفيدة أحبطت هجمات إرهابية لاحقة أم أنها ساعدت في الوصول إلى قتل أسامة بن لادن. وقدّم الديمقراطيون في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ تقريراً مطولاً يزعم أن أساليب الاستجواب التعسفية لا تتمخض عن أية معلومات لم تكن متوافرة بطرق أخرى، وهو ما رفضته وكالة الاستخبارات المركزية رفضاً قاطعاً، إذ ادعى نائب مدير الوكالة السابق «مايكل موريل» أنه كان سيستغرق وقتاً طويلاً للحصول على المعلومات ذاتها من مصادر أخرى، وأن أساليب الاستجواب المعززة وجهت الوكالة صوب أدلة ربما كانت ستضيع في خضم الجلبة المصاحبة للأحداث. ويبدو موقف وكالة الاستخبارات المركزية أكثر إقناعاً، غير أنه لا يعني أنه يتعين علينا استخدام التعذيب مستقبلاً، وكما هو معلوم فقد أدت ردود الأفعال العكسية على برنامج الوكالة، والانتهاكات المحظورة في سجن أبوغريب في العراق، إلى الإضرار بسمعة أميركا في الخارج، وقدمت دعاية مجانية لأعدائها. والأهم من ذلك أن تورط وكالة الاستخبارات في تلك الأعمال المشينة عاب موظفيها أخلاقياً، ومنهم «هاسبل». ومنذ ذلك الوقت، أصبح لدينا ما يشبه إجماعاً وطنياً على ضرورة عدم تكرار عمليات التعذيب. وبينما رفض القادة السياسيون من كلا الحزبين التعذيب، رفضوا أيضاً، وهم محقون، مقاضاة ضباط الاستخبارات الذين نفذوا ما كانوا يعتقدون أنه أوامر مشروعة. لكن ثمة فرق بين تفادي مقاضاتهم وترقيتهم إلى منصب مدير الاستخبارات المركزية. ماكس بوت كاتب وباحث متخصص في دراسات الأمن القومي بمجلس العلاقات الخارجية يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»