بقطع المملكة المغربية علاقاتها الدبلوماسية بإيران، تكون الدول العربية الكبرى الثلاث: مصر والسعودية والمغرب، قد واجهت الاعتداءات الإيرانية بالمقاطعة والقطيعة. فقد صارت إيران ومنذ مدة تهديداً دينياً وسياسياً واستراتيجياً، ليس للعرب فقط، بل ولكل المسلمين في أوطانهم وفي المهاجر! في العام 2008/2009 قطعت المملكة المغربية علاقاتها الدبلوماسية بإيران، لأنّ أجهزتها وجهاتها الدينية والأمنية، أحسّت بتدخلات إيرانية في الأمن الديني والمجتمعي. وكانت المملكة المغربية بذلك أولى الدول العربية والإسلامية التي تنبهت إلى قيادة الأجهزة الإيرانية حملة تشييعٍ، انطلاقاً من عدة أماكن، ومنها المركز الثقافي الإيراني، إضافةً إلى تدخلات إعلامية ومُراسلين لأجهزة إعلامية إيرانية أو موالية لإيران و«حزب الله». وعندما حذّر آخرون من هذا الخطر على المشرق العربي ومصر، اعتبرنا ذلك مبالغات. وقد كتبتُ وقتها عن ذلك في الصحف، وقلت إنّ هناك مظاهر تدخلية باسم الدين والمذهب، لكنّ أخطر التحديات الإيرانية سياسية واستراتيجية. بيد أنّ وزيراً سودانياً قال لي يومَها إنه لا ينبغي الاستخفاف بالاختراقات الدينية والمذهبية. فإيران كانت دائماً صديقاً لنظام البشير، لكنها رغم البشاشة المتبادلة سعت لنشر الفتنة الطائفية في السودان، بإغراء متصوفة ومثقفين متدينين بالتشيع ودعمتهم بأموال. ونحن نعرف الآن بل ومنذ سنوات أنّ حملات التشيع والتشييع شاملةٌ لسائر البلدان العربية والإسلامية، وتنطلق جميعها من إيران، ومن جهاتٍ حكوميةٍ أو شبه حكومية. ولذلك مستويان: الأول تجنيد الشيعة العرب وغير العرب لصالح السياسات الإيرانية بشتى وسائل الدعم بما في ذلك التنظيم والتسليح. والمستوى الثاني نشر التشيع بين العوام السنة الفقراء في سائر البلدان، وإن أمكن تحت ستار التصوف الشعبي المحبّ لآل البيت. أما التحدي السياسي والاستراتيجي فما عاد بحاجةٍ لإثبات. ففي كل بلدٍ فيه أقلية شيعية يجند الإيرانيون بعض شبانها وينظمونهم ويعيدون تربيتهم، ويوجهونهم لهزّ الاستقرار في البلد المعني أو الاستيلاء عليه إن كانت حكومته ضعيفة أو مستسلمة تحت وطأة الترغيب والترهيب. وبعد غزة واستتباع «الجهاد الإسلامي» و«حماس»، ووضع الجيب الغزاوي نصلاً في خاصرة مصر (2007)، احتلّ «حزب الله» بيروت لإسقاط كل مقاومةٍ لاستيلائه على لبنان (2008). ولا أحد يجهل كيف أفادوا من الاحتلال الأميركي للعراق من أجل الاستيلاء عليه وما يزالون، ثم أفادوا من إضعاف ثورة الشعب السوري لنظام الأسد فتدخلوا بجيوشهم والميليشيات الشيعية من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان، من أجل الإبقاء على الأسد وسوريا تحت سيطرتهم. وكل هذا التشيع الديني والسياسي كانوا يستجلبون القبول به من السذج والقومجيين حتى السنّة منهم بحجة مقاومة إسرائيل. ثم جاءتهم بعد الأميركان والروس الخدمة الجديدة والحجة الجديدة: مكافحة الإرهاب! وهكذا صار كل عربي سني يُظهر إباءً على السطوة الإيرانية إرهابياً. وتحت هذا العنوان وبعد السيطرة على القرار السياسي في لبنان وسوريا والعراق، جرى ويجري من سنوات قتل وتهجير مئات الألوف من اللبنانيين والسوريين والعراقيين. ثم أحدثوا انشقاقاً ضمن الزيود اليمنيين واخترعوا مجدداً حكم الأئمة من الحوثيين فاستولوا على المحافظات الثلاث ذات الكثرة الزيدية، وأفادوا من خلاف الرئيس «صالح» مع الثوار اليمنيين فتحالفوا معه (قتلوه أخيراً)، واحتلوا صنعاء والسواحل وزحفوا نحو المحافظات الوسطى على الحدود السعودية، ثم نحو عدن. ولولا تدخل التحالف العربي، لربما استطاعوا السيطرة كما سيطروا على لبنان من دون تكلفة كبيرة! لماذا حصل ذلك كله ويحصل؟ بسبب الفراغ، والطبيعة تأبى الفراغ. قتلوا رفيق الحريري، وقتل الإسرائيليون ياسر عرفات، وقتلوا مع الأميركيين صدام حسين. وفي ديننا انشقاقاتٌ وتطرُّف، فتصدّع الأمن السياسي والأمن الديني.. والأمن العربي، حتى طمعوا بمحاصرة المملكة العربية السعودية ليس من ناحية العراق فقط، بل ومن ناحية اليمن أيضاً. وما تورعوا عن ضرب مكة المكرمة والرياض بالصواريخ الباليستية. لقد لقّنهم المغرب درساً في الحفاظ على سلامة الدين، وسلامة الأمن الوطني. فلنتصور، إنهم يذهبون إلى المغرب الأقصى لتهديد الأمن من طريق «البوليساريو»، كما ذهبوا إلى غزة لتهديد مصر، وإلى الجوف لتهديد السعودية. فلنكن لديننا وأوطاننا، ليبقى ديننا وتبقى أوطاننا لنا. *أستاذ الدراسات الإسلامية بالجامعة اللبنانية -بيروت