كانت مشاهد الابتسامات والعناق والمصافحة بين زعيمي الكوريتين الشمالية والجنوبية محكمة من أجل ظهور تلفزيوني رائع. غير أنها أظهرت أن تجميع أحجية السلام في شبه الجزيرة الكورية لا يزال يتطلب قطعتين مفقودتين، هما النوايا الحقيقية من قبل كيم جونج أون بخصوص البرنامج النووي لبلاده، وقدرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إقناع الزعيم الكوري الشمالي بالتخلي عن أسلحته. ومن ثم، فالقمة الكورية لم تزد سوى التحديات أمام القمة المرتقبة بين ترامب وكيم في مايو أو يونيو المقبل. ولا يمكن لوم الكوريتين على رغبتهما في إعلان السلام بينهما، ووضع نهاية للحرب الكورية. فلم تطلب شبه الجزيرة الكورية أن يتم تقسيمها في عام 1945 على أيدي كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي بداية الحرب الباردة. وكانت إعلانات السلام جزءاً متمماً للقمتين السابقتين بين الكوريتين في عام 2000 (بين «كيم داي جونج» و«كيم جونج إل») وفي 2007 (بين «روه مو هيون» و«كيم جونج إل»)، كما كانت جزءاً من خمس وثائق مشتركة تعود تواريخها إلى عام 1972. ورغم ذلك، هناك شيء مختلف هذه المرة، فاللغة المستخدمة في إعلان القمة تعكس إلحاح المخاوف الكورية بشأن اقتراب شبه الجزيرة من حافة الهاوية في عام 2017 إجراء 20 اختباراً كوريا شمالياً لصواريخ باليستية، ومزاعم تفجير قنبلة هيدروجينية تحت الأرض، وتكثيف المناورات العسكرية الأميركية، وتهديدات ترامب بصب «النار والغضب» على كوريا الشمالية. بيد أن ما تبرزه هذه القمة هو عدم قدرة الولايات المتحدة على الاستغناء عن الحل الدبلوماسي لإنهاء الأزمة النووية في شبه الجزيرة. وبينما يمكن للكوريين إعلان السلام، فإن أية معاهدة من شأنها أن تحل محل هدنة 1953 لا بد أن تقبلها واشنطن وبكين. ومن الصعب تصور أن ترامب سيوقع على مثل هذه المعاهدة دون إنهاء البرنامج النووي الكوري الشمالي. والمؤسف أن القمة الكورية لم تقدم أي توضيح بشأن هذا الجزء من الأحجية، فبينما أكد رئيسا الكوريتين الهدف المشترك لنزع السلام النووي، فإن بيانهما لم يرق إلى مستوى الالتزامات السابقة من قبل بيونج يانج بالتخلي عن برنامجها النووي في اتفاقية نزع النووي عام 2005، والتي شاركتُ في وضعها كنائب لرئيس الوفد الأميركي خلال «المحادثات السداسية». كما لم يرقَ إلى مستوى التزام كوريا الشمالية في اتفاقية الكوريتين عام 1992 القاضية بحظر تخصيب الوقود النووي في كلتا الدولتين. ولعل «كيم» يدخر هذا البند من الأجندة لاجتماعاته مع ترامب، ولعله لا يعتزم أبداً التخلي عن أسلحته، ويرغب بدلاً من ذلك في معاهدة سلام تجعل من الصعب على الولايات المتحدة تنفيذ هجوم عسكري وقائي، والظهور مع الرئيس الأميركي لإضفاء شرعية عليه كحاكم لأحدث دولة نووية، مع وعد برفع العقوبات، مقابل وضع سقف لإنتاج الأسلحة النووية وحظر على الاختبارات الصاروخية. وبالطبع، لن يتخلى ترامب عن هذه الفرصة، غير أن التحديات كبيرة، وقد رفعت القمة الكورية سقف التوقعات. وعلى ترامب أن يحترم رغبات كوريا الجنوبية في التوصل إلى حل دبلوماسي سلمي، وأن يحتفظ بالعقوبات الاقتصادية على كوريا الشمالية، لإجبار «كيم» على التخلي عن أسلحته وقبول قوى السوق المفتوحة التي قد تكون لها تأثيرات ضارة على حكمه الاستبدادي. فيكتور تشا مسؤول سابق في إدارة بوش الابن يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»