على مدى ثلاثة أيام تجولت في أرجاء فعاليات «المسابقة الوطنية» للمهارات التي ينظمها سنوياً مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني، وقد خالجني شعور ممزوج بالإعجاب والفخر. فعندما شاهدت أكثر عن 400 مواطن من ذكور وإناث في فئات عمرية صغيرة وشابة يتنافسون في 57 مهارة تحت إشراف 180 خبيرا وعيونهم ملتصقة بتركيز شديد بما تفعله أيديهم بهدوء وإتقان تملكني الشعور بالإعجاب بما رأيته. وعندما لمست التعاون ضمن روح الفريق الواحد، والتنافس الشريف، والرغبة في الفوز واحتلال المراكز الثلاثة الأولى، تمهيدا لخوض مرحلة الاختيار للمشاركة ضمن فعاليات المسابقات الإقليمية والعالمية مثل «المسابقة العالمية الآسيوية» التي ستستضيفها العاصمة أبوظبي خلال شهر نوفمبر القادم ثم المشاركة في «المسابقة العالمية»، تملكني الإحساس بالفخر إزاء تلك الكوكبة المتميزة والتي تمثل نخبة المواطنين الذين لم يكتفوا بالدراسة الأكاديمية، بل أردفوها بخوض مجالات التعليم والتدريب الفني، والذي يستطيعون من خلاله إبراز مواهبهم وتأكيد قدراتهم ومهاراتهم. فالرحلة التي بدأت منذ عام 2006 للبحث عن واكتشاف وتطوير المهارات الإماراتية، من خلال جهود فردية لمركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني تارة، وبالتعاون مع المؤسسات المجتمعية والتعليمية المختلفة تارة أخرى، كان الهدف الرئيس منها تشجيع الشباب الإماراتي من الجنسين على إبراز مواهبهم ومن ثم إتاحة الفرصة لهم للتدريب على تطوير تلك المواهب والقدرات بناء على المعايير والأسس العالمية والمشاركة باسم الدولة في المحافل الدولية. وتضم تلك المهارات بناء الطائرات بدون طيار، ميكانيكا وصبغ السيارات، الطاقة المتجددة، صيانة محركات الطائرات، الروبوتات المتحركة، التوصيلات الكهربائية، تطبيقات الهاتف المتحرك، الدهان والديكور، البرمجة، التبريد واللحام والتكييف، الخراطة باستعمال الحاسوب، تصميم وتنسيق الحدائق، الرسم الهندسي، الإبداع في الإنتاج الإعلامي، تقنية التصميم الجرافيكي، إدارة نظم شبكات تقنية المعلومات، تصميم مواقع الإنترنت، النجارة، صياغة الحُلي والمجوهرات، الذكاء الاصطناعي وأعمال الجبس والأسقف المستعارة وغيرها. كما تم إتاحة الفرصة لأصحاب الهمم وصغار السن المبتدئين أيضا لإبراز مواهبهم في بعض المهارات. وتأتي تلك الجهود لتحقيق هدف استراتيجي واضح المعالم، ألا وهو العمل على تطوير نظام التعليم والتدريب التقني والمهني في دولة الإمارات من خلال التطوير المعرفي وتبادل المعلومات وتنمية مهارات الطلبة المواطنين المنتسبين إلى نظام التعليم والتدريب التقني والمهني في الدولة. فالمتعارف عليه في كافة دول العالم بما فيها دولة الإمارات، أن أنظمة التعليم تنقسم إلى التعليم العام يليه التعليم العالي، والتعليم الفني الذي هو مزيج بين النظري والعملي مع تغليب الأخير بصورة كبيرة. وبالرغم من أن غالبية مؤسسات التعليم العالي في العالم تقول إنها الرافد الأساس لاحتياجات سوق العمل إلا أن الواقع يؤكد أن معظم الخريجين الجامعيين يواجهون تحديات كبرى عند التحاقهم بالوظائف لافتقارهم المهارات المطلوبة في مواقع العمل. وفي المقابل، تتهافت معظم جهات العمل الحكومية والخاصة على رعاية واستقطاب طلبة التعليم الفني لما يرونه بأعينهم من مهارات وقدرات هؤلاء الطلبة في مختلف الأعمال والتي يحتاجها سوق العمل في ظل المتغيرات العالمية. وما شاهدته خلال فعاليات «المسابقة الوطنية» للمهارات لأبرز دليل على ذلك، إذ رأيت وفودا من أبرز الجهات الحكومية في الدولة تزور المسابقة بهدف توقيع عقود رعاية مع الطلبة المتميزين تمهيدا لاستقطابهم بعد إنهاء دراستهم. وبالتالي سوف تنخفض تكاليف التدريب المهني أثناء العمل بصورة كبيرة لدى تلك الجهات نتيجة التحاق خريجي التعليم والتدريب الفني بها متسلحين بالمهارات المطلوبة. ولا يعتقد أحد أن هذه دعوة لتغليب قطاع تعليمي على الآخر، بل هي رغبة صادقة في منح قطاع التعليم والتدريب الفني المزيد من الاهتمام وفرض التشريعات اللازمة والهادفة لربط مؤهلاته بمؤهلات التعليم العالي أسوة بما هو معمول به في الدول المتقدمة.