تنشغل ألمانيا هذه الأيام بدراسة مقترحات لإصلاح منطقة اليورو يطالب بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ عدة أشهر. وإذا لم تسارع برلين لاتخاذ قرار بشأنها في القريب العاجل، فسوف تفوّت على نفسها فرصة تاريخية، وربما يترك ذلك أثراً سيئاً على العملة الأوروبية الموحدة. وليس ببعيد ذلك الوقت الذي بدا فيه إيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل وكأنهما يشكلان «زوج تحقيق الأحلام» للسياسات الأوروبية. وكان الرئيس الفرنسي يتدفق بالكلام المنمّق عندما يتحدث عن «العلاقات المتينة جداً» بين فرنسا وألمانيا. وقالت ميركل مؤخراً إنها سعيدة بسماع التوقعات بشأن «التعاون العظيم والواعد» بين البلدين. وخلال الصيف الماضي (2017)، خُيّل للمراقبين بأن هاتين الدولتين الأوروبيتين المحوريتين بصدد الانفتاح على حياة جديدة في القارة الأوروبية. وبعد ذلك بثمانية أشهر، فهمت ميركل بأن التطور الذي أطلقت عليه عبارة «البداية الجديدة الساحرة»، لم يعد قائماً ولا ملموساً. وكان يبدو أن المرات التي ظهرا فيها معاً لم تتحقق إلا على سبيل الضرورة الماسة التي يشوبها التوتر والبعد عن التفاهم. ولم تُظهر الحكومة الألمانية أي استجابة حقيقية لاقتراحات ماكرون المتعلقة بإصلاح منطقة اليورو. وبدلاً من مراجعة أفكارها الخاصة حول الموضوع، فضّلت التريّث وشراء المزيد من الوقت، وبما قد ينطوي على خطر إضاعة فرصة تاريخية للإطلاق المشترك لسياسة الاتحاد النقدية الجديدة مع الرئيس الفرنسي. وهي السياسة التي من شأنها أن تكرّس مظاهر التضامن والصرامة في إدارة الملفات المالية في أوروبا. وبدأت المشاكل عندما اتضح أن السياسيين الألمان لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث المعمق في الأفكار التي اقترحها ماكرون. وكان من الواضح أن الاتحاد النقدي الأوروبي يحتاج بالفعل لعملية إصلاح عاجلة بعد أن أصبحت الإجراءات المتعلقة بحساب الميزانية العامة للاتحاد وقواعد الإقراض شديدة الغموض، لدرجة تجعلها عصيّة على الفهم، ويكاد يكون الالتزام بها مستحيلاً بعد الآن. وتحتاج منطقة اليورو للأدوات الضرورية اللازمة للمواجهة الاستباقية للأزمات الاقتصادية الطارئة قبل حدوثها. وعندما يريد الاتحاد الأوروبي إطلاق برامج استثمارية جديدة، فإن ذلك يتطلب من رئيس المفوضية الأوروبية «جان كلود يونكير» دق أبواب الحكومات الأوروبية واحدة تلو الأخرى طلباً للصناديق اللازمة للتنفيذ. ومن جهة أخرى، اتضح أن أكثر المؤيدين دعماً لخطة الرئيس ماكرون أعربوا عن خوفهم من أن تكون المقترحات المتشددة التي تقدم بها لا تتلاءم مع الحاجة لوضع حدّ للمشاكل التي يتعرض لها اليورو. بل إن ما يحدث بالفعل يخالف هذا الهدف، ومن ذلك أن مطالبته بتعيين وزير مالية أوروبي ربما يزيد الأمور تعقيداً وغموضاً في بروكسل، إذ ما من أحد يمكن أن يحكم حول ما إذا كان هذا الوزير سيرفع تقاريره للمؤسسات الأوروبية أم إلى الحكومات الوطنية. ولا تقل عن تلك النقطة إثارة للتساؤل، الفكرة التي تقضي بتزويد منطقة اليورو بميزانية ضخمة خاصة بها. لأن مجرّد تمويل هذه الخطة يتطلب إما إجراءات تطبيقية للادخار واسع النطاق، أو زيادة الضرائب بشكل كبير. وهي فكرة لا تقلّ بعداً عن الواقع عن سابقتها. وقد يفسر ذلك السبب الذي يجعل اقتراحات ماكرون لا تلقى القبول خارج فرنسا. وهذا ما يجعل من الضروري أن تعمل الحكومة الألمانية على إعداد خطة أكثر تطابقاً مع الواقع بالتعاون مع ماكرون. إلا أن هذه الفكرة لا تلقى التأييد من قادة أحزاب الائتلاف المشاركة في حكومة ميركل. وينظر الزعيم السابق للحزب الديمقراطي الاجتماعي «مارتن شولتز» إلى مقترحات ماكرون وكأنها وسيلة لخلق ولايات متحدة جديدة في أوروبا. ويفضّل آخرون، ومنهم قادة حزب «الاتحاد الاجتماعي المسيحي» البافاري، الرديف لحزب ميركل «الديمقراطي المسيحي»، إطلاق حملة مضادة لمقترحات الرئيس الفرنسي. ويأمل هذا الحزب بأن تضمن هذه الحملة إقناع الناخبين الألمان بالكفّ عن تأييد الحزب اليميني الشعبوي «البديل من أجل ألمانيا» في الانتخابات المحلية التي ستشهدها مقاطعة بافاريا قريباً. وكان فريق مشترك من الاقتصاديين الألمان والفرنسيين قد تقدموا بخطة أكثر بساطة قبل عدة أشهر، وهي تستند على إجراءات مالية عملية، ويقف وراءها وزير المالية الألماني السابق «وولفجانج شوبل» الذي أراد منها تطوير صندوق الإنقاذ المالي لمنطقة اليورو المعروف أكثر باسم «آلية الاستقرار الأوروبي» وتمكن من تحويلها إلى «صندوق للنقد الأوروبي» يشرف على إدارة حزم التحفيز الاقتصادي الوقائي في أوروبا. وخلال جولة المداولات المنتظرة حول ميزانية الاتحاد الأوروبي التي ستنطلق الأسبوع المقبل، يمكن للسياسيين الأوروبيين التحضير لتبني خطة جديدة عن طريق تحويل جزء من ميزانية الإنفاق المرتفعة على القطاع الزراعي إلى ميزانية استثمارية جديدة وضخمة للاتحاد. ويحذر المراقبون من أنه إذا لم تحظَ الخطة بتأييد غالبية أعضاء منطقة اليورو قبل حلول الصيف، فمن المحتمل أن يكون مصيرها الإهمال مع اقتراب موعد الانتخابات الأوروبية عام 2019. وكان موقف المستشارة الألمانية حول هذه القضية يستند إلى القاعدة التي تفيد بأنه من الأفضل عدم اتخاذ القرارات أبداً بدلاً من اتخاذ القرارات المحفوفة بالمخاطر. وغالباً ما كانت تحقق النجاح بتبني هذه القاعدة، إلا أن الأمور تختلف هذه المرة، لأن ذلك يعني أن أوروبا سوف تفقد فرصتها لتبني الإصلاحات المالية الضرورية. مايكل سوجا محلل اقتصادي ألماني عن مجلة «دير شبيجل» الألمانية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»