في تقريره الأسبوعي عن معدلات الأمراض والوفيات، الصادر نهاية الأسبوع الماضي، أعلن «مركز التحكم ومكافحة الأمراض» في الولايات المتحدة عن استمرار الزيادة في معدلات الإصابة بالتوحد. فعلى حسب التقرير الأخير، ارتفعت نسبة الأطفال الأميركيين المصابين بالتوحد من 1.5 في المئة عام 2016 إلى 1.7 في المئة حالياً. وفي الوقت الذي يرد البعض هذه الزيادة، أو على الأقل جزء منها، إلى تحسن في معدلات تشخيص المرض، وزيادة الوعي به بين الآباء، وخصوصاً بين الأقليات العرقية مثل الأميركيين من أصول أفريقية أو لاتينية، إلا أن الخبراء يرون أن هذه العوامل لا يمكن لها وحدها أن تبرر مثل هذه الزيادة الملحوظة خلال عام واحد فقط. فرغم أن التوحد يرتبط بمجموعة من عوامل الخطر التي تزيد من احتمالات إصابة الطفل به، مثل كون سن الوالدين أكبر من ثلاثين عاماً عند حدوث الحمل، أو مرض الأم أثناء الحمل، أو حدوث طفرة جينية، أو الولادة المبكرة قبل الأسبوع السابع والثلاثين، وولادة التوائم، إلا أن هذه العوامل مجتمعة لا يمكن لها أن تفسر الزيادة المستمرة في معدلات الإصابة بالتوحد، عاماً تلو الآخر. وهو ما دفع البعض للتفكير في عوامل أخرى بيئية، غير وراثية، كأسباب لم تكتشف بعد خلف هذا اللغز الطبي المحير. ومما يزيد الموقف تعقيداً، كون المخ البشري من أكبر الألغاز التي لا تزال تواجه الطب الحديث على صعيد تركيبه التشريحي، وكيفية قيامه بوظائفه، وطبيعة الأمراض والعلل التي تصيبه. فعلى سبيل المثال، لايزال الهدف أو الفائدة من حالة النوم، التي يستغرق فيها المخ يومياً لبضع ساعات، غير معروف أو مفهوم. وفي الوقت نفسه، لايزال الأرق يشكل أحد أكثر اضطرابات النوم انتشاراً، دون أن يكون هناك سبب واضح في الكثير من الحالات. هذا الجهل الطبي ينطبق أيضاً على اضطرابي التوحد، وفرط النشاط المصاحب بضعف التركيز، واللذين يشهدان زيادة مضطردة، دون أن تكون الأسباب خلفهما واضحة أو مفهومه. ففي حالة التوحد، ورغم طرح العديد من النظريات والاحتمالات لشرح أسباب الإصابة بهذا الاضطراب، فإنها لا تزال مجرد نظريات وفرضيات، غير مثبتة أو مؤكدة. ففي وقت ما، كان يعتقد أن الوراثة تلعب دوراً في 90 بالمئة بين الأطفال المعرضين لخطر الإصابة بالتوحد، إلا أن الدراسات الحديثة أظهرت دوراً متعاظماً للعوامل البيئية، ودوراً أقل أهمية مما كان معتقداً للعوامل الوراثية. ومن بين خصائص «التوحد» أولاً: كونه مثل الأمراض السرطانية، عبارة عن طائفة كاملة من الأمراض، لكل منها سببه الخاص. فمن المعروف والمؤكد، أن المرض يظهر في شكل طيف واسع من الأعراض مختلفة الشدة، بدءاً من الإعاقة الشديدة، وحتى الإعاقة البسيطة. وهو ما يدفع الأطباء إلى استخدام مصطلح «اضطرابات الطيف التوحدي» لتوصيف المرض بدقة، في إشارة إلى اختلاف درجات وأشكال المرض. ثانياً: على عكس ما كان يعتقد سابقاً من أن التوحد ناتج عن مرض المخيخ، وهو جزء في مؤخرة المخ يعمل على دمج النشاطات الحسية والحركية، أصبح ينظر للتوحد حالياً على أنه مشكلة عامة في كيفية تواصل أجزاء المخ مع بعضها بعضاً. ثالثاً: ربما كان لجهاز المناعة دور حيوي في الإصابة ببعض أنواع التوحد على الأقل. وهو إذا ما ثبت، فربما قد يفتح طرقاً جديدة للوقاية والعلاج. رابعاً: الكثير من الأعراض الكلاسيكية للتوحد، مثل الدوران، وخبط الرأس، والترديد اللانهائي لبعض العبارات، ربما تكون ميكانزيم للتكيف، وليست سلوكيات متأصلة. بينما يمكن اعتبار بعض الأعراض الكلاسيكية الأخرى، مثل فقدان المشاعر، وعدم القدرة على الحب، على أنها نتاج لضعف الاتصال، وهو ما يمكن أن يفسر أيضاً وجود نسبة مرتفعة مفترضة من التخلف العقلي بين المرضى. وجدير بالذكر أن مرضى التوحد في دولة الإمارات يلقون اهتماماً وعناية خاصين، حيث قامت «مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية»، من خلال «مركز أبوظبي للتوحد»، بإصدار أول بطاقة في العالم لأطفال التوحد. وفي الشارقة، يواظب «مركز الشارقة للتوحد»، التابع لـ«مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية»، على تنظيم دورات تخصصية، تبحث وفق الأساليب النظرية والتطبيقية في موضوعات تهم المرضى والعاملين في هذا المجال. بينما قررت إدارة «مركز دبي للتوحد»، إنشاء ناد للدعم الأسري خاص بأهالي الأطفال المصابين بالتوحد، وهو ما حقق أحلام الكثير من أهالي وذوي الأطفال المصابين بالمرض.