«لقد عززت انتخابات الأحد ديمقراطية الباراغواي وجعلتها نموذجاً لبلد متصالح وموحد.. وأتعهد بأن أكون عامل توحيد للباراغويين». بتلك الكلمات خاطب المرشح الفائز بانتخابات الرئاسة في الباراغواي، «ماريو عبدو بينيتيز»، مواطنيه وممثلي وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، مساء الاثنين الماضي، عقب إعلان النتيجة الرسمية شبه النهائية، والتي أوضحت فوزه على خصمه الرئيسي «إيفرين أليغري» المدعوم من تحالف يسار الوسط. و«ماريو عبدو بينيتيز» سياسي ورجل دولة من الباراغواي، سبق أن ترأس مجلس الشيوخ فيها، ثم رشحه «حزب كولورادو» الحاكم لانتخابات 2018 الرئاسية، ففاز بها الأسبوع الماضي، على أن يتولى منصبه في شهر أغسطس القادم. وقد ولد «ماريو عبدو بينيتيز» عام 1971 في العاصمة أسونسيون، وعند الانتهاء من دراسته الثانوية في عام 1989 انضم إلى القوات المسلحة، وحصل على رتبة ملازم ثاني طيار في سلاح الاحتياط الجوي. ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة «تايكيو بوست» في مدينة ووتربيري بولاية «كونيتيكت» في الولايات المتحدة، والتي حصل منها على شهادة في الدعاية والتسويق وإدارة الأعمال. وكما هو الأمر بالنسبة لسنه الذي لا يتجاوز الـ47، فإن تجربته السياسية ليست بالطويلة أيضاً، إذ تعود أولى خطواته في عام السياسة إلى عام 2005، حين أصبح عضواً في «الحركة الجمهورية الوطنية لإعادة البناء»، وهي حركة مساندة لـ«حزب الجمعية الوطنية الجمهورية»، المعروف باسم «حزب كولورادو» القومي المحافظ والمنتمي إلى يمين الوسط، كما كان في الوقت ذاته عضواً في «حركة السلام والتقدم»، الدائرة هي أيضاً في فلك الحزب نفسه.. ليرتقي في عام 2006 إلى مرتبة نائب رئيس الحزب. وخلال ذلك العام شارك بينيتيز في جنازة ديكتاتور الباراغواي السابق الجنرال ألفريدو سترويسنر ماتياودا، الذي حكم البلاد عقب انقلاب قاده في عام 1954، وظل على رأس الحكم حتى الإطاحة به في انقلاب على يد جنرال آخر في عام 1989، حيث ذهب للعيش منفياً في البرازيل، وهناك توفي في عام 2006 ورفضت الباراغواي تنظيم جنازة له على أراضيها، فتم تنظيم الجنازة في البرازيل، وشارك فيها بينيتيز ممثلاً عن «حزب كولورادو». وكان الجنرال «ماتياودا» نفسه عضواً ورئيساً لهذا الحزب الذي حكم الباراغواي خلال الفترة بين عامي 1946 و2008. وقد واجه بينيتيز انتقادات لعلاقة عائلته بالديكتاتور ماتياودا، حيث شغل والده «ماريو عبدو» الأب منصب السكرتير الخاص لماتياودا على مدى سنوات طويلة. بل أن الثروة التي يملكها بينيتيز الابن، وقد ورثها عن والده، تعرضت للمصادرة عقب سقوط الديكتاتورية، وخضعت عائلته للمقاضاة بتهمة «الإثراء غير المشروع»، لكن تم رفض القضية وإغلاق الملف في نهاية المطاف، كما هو الشأن بالنسبة لكثير من رجال الحكم السابقين وقادة حزبه. وقد رد بينيتيز على الانتقادات الموجهة له بهذا الخصوص، قائلاً إن الديكتاتور السابق «فعل الكثير من أجل البلاد»، وإن أوضح أنه لا يتغاضى عن أعمال التعذيب والاضطهاد وسائر أشكال انتهاك حقوق الإنسان التي ارتكبت خلال عهده. وفي الآونة الأخيرة لم يتردد في الإشارة إلى إرث عائلته المربك، حيث قال: «لا يمكنني إلا أن أذكر والدي الذي كان ممثلًا عظيماً لحزب كولورادو». وقد استعاد حزب كولورادو الحكم في عام 2013 عقب فوز مرشحه «هوراسيو كارتيس» بانتخابات الرئاسة في ذلك العام. وفي العام نفسه تم انتخاب بينيتيز عضواً في مجلس الشيوخ عن حزبه، ثم رئيساً للبرلمان في عام 2015. لكن سرعان ما نشب الخلاف بينه وبين الرئيس كارتيس المنتمي لنفس الحزب، فقرر مواجهته على رئاسة الحزب في عام 2017. بيد أن الرئيس تجنّب المغامرة بهيبته في مواجهة بينيتيز، فرشّح حليفه وزير المالية السابق «سانتياغو بينيا»، ليتلقى الهزيمة في التصويت الداخلي أمام بينيتيز الذي فاز برئاسة الحزب، وأصبح بشكل تلقائي مرشحه لانتخابات الرئاسة في عام 2018. وبفوزه بتلك الانتخابات يضمن بينيتيز لحزب «كولورادو» استمرار هيمنته على الحكم في باراغواي الواقعة في أميركا اللاتينية بين بوليفيا والأرجنتين والبرازيل، والتي تملك اقتصاداً يتسم بالحيوية، لكنها تعاني الفقر والفساد وتجارة المخدرات. وخلال حملة انتخابات الرئاسة في الباراغواي، وعد بينيتيز الناخبين بتعهد واحد رئيسي، هو إصلاح النظام القضائي وتحسينه، أما في المسائل الأخرى فهو ينوي التمسك بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية نفسها لسلفه الرئيس الحالي «كارتس»، بينما أبدى منافسه المحامي «إيفرين أليغري» الكثير من الطموحات الاجتماعية، عارضاً الخدمات الصحية المجانية للفقراء والمعدمين، وتخفيفاً كبيراً لفاتورة الكهرباء من أجل تحفيز الاستثمار وإيجاد فرص للعمل.. ولم يلتق المتنافسان إلا عند نقطة واحدة تقريباً، ألا وهي معارضة السماح بالإجهاض وبالزواج المثلي في هذا البلد الذي تهيمن فيه الكاثوليكية. وعن السياسات الاقتصادية للرئيس الحالي، المليونير ومتصدر صناعة التبغ في البلاد «أوراسيو كارتس»، والتي ينوي بينيتيز المحافظة عليها، فهي التي حافظ من خلالها كارتس خلال ولايته الرئاسية الوحيدة على نمو اقتصادي ناهز 4%، وذلك أساساً بفضل تنشيطه صادرات الصويا واللحوم والكهرباء. لكن هذه السياسات لم تحرز تقدماً، لا على جبهة مكافحة الفقر الذي ما يزال عند مستوى مقلق (26.4%)، ولا على جبهة الفساد المستشري في البلاد، حيث تصنف منظمة الشفافية الدولية غير الحكومية الباراغواي في المرتبة الـ135 من أصل 180. بيد أنه رغم بقاء هذه المعضلات كما هي مراوِحةً مكانها دون تغيير يذكر، ورغم تردد بينيتيز نفسه في إعطاء وعود انتخابية كبيرة للناخبين، فقد ظل متقدماً في استطلاعات الرأي على منافسه مرشح تحالف يسار الوسط، وحين جرى يوم الـ22 من إبريل الجاري الاقتراع المكون من دور واحد، والذي دُعيَّ له 4.2 مليون ناخب، وبلغت نسبة المشاركة فيه 65%، جاء بينيتيز في المقدمة بحصوله على 46.5%، مقابل 42.7% لخصمه أليغري. ولعل فوز بينيتيز الذي لم يعد بأي تغييرات كبيرة، لكنه حصل على أكبر تأييد شعبي في هذه الانتخابات رغم صلات والده بالدكتاتورية.. يوضح أن شعب الباراغواي قد طوى تلك الصفحة من ذاكرته، وأن الأجيال الحالية لم تعد مهتمة بها، لاسيما أن أعمار 43% من الناخبين تقع بين 18 و34 عاماً.. أي أن مجتمع الباراغواي يتغير بوتيرة أسرع من نخبه السياسية، والتي لم تعد تظهر حماساً كبيراً، كما كان الحال في السابق، لتقديم وعود سخية بإجراء تغييرات عامة جذرية تقطع مع الماضي، لاسيما على جبهتي الفقر والفساد، معتقِدةً بضرورة إعطاء الأولوية للوحدة والديمقراطية والدفع باتجاه تعزيز «نموج الباراغواي»! محمد المنى