من يتابع أخبار الإمارات من الخارج يعتقد أنها بلد للتجارة، وقد يردد البعض مقولة "إنهم قد منّ الله عليهم بالنفط كي يصنعوا منه حضارة"، لكن من يعايش أهل الإمارات ويتعامل معهم يجد أن البعد الثقافي لديهم لا يقل عن أقرانهم من العرب وربما تقدمت الإمارات في جوانب ثقافية على بعض العواصم الثقافية العربية التقليدية. فساحة الثقافة بشقيها المادي والمعنوي واسعة المرامي في المجتمع الإماراتي، ففي كل إمارة هناك فعاليات ثقافية أسبوعية ودورية، من محاضرات ومعارض إلى المنتديات والمؤتمرات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، من أسبوع احتضن الشارقة المهرجان القرائي للطفل حيث تنوعت الكتب بين العلم والثقافة والخيال والإبداع وتحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، انطلقت فعاليات الدورة الـ28 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب بمشاركة 1350 عارضاً من 63 دولة، التي تحتفي في "عام زايد" بالوالد المؤسس الشيخ زايد، الشخصية المحورية للدورة الحالية للمعرض، والتي تسلط الضوء على رؤيته وعطاءاته وإسهاماته في مختلف الميادين والمجالات. وتحل بولندا كضيف شرف لهذا العام حيث تقدم هذه الدولة أدبها الثري وتاريخها العريق الذي يعود إلى ألف سنة. وللتاريخ فإن هذا المعرض لا يعد حدثاً جديداً في مجتمعنا، فقد أطلقه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" عام 1981 تحت اسم "معرض الكتاب الإسلامي"، ثم ما لبث أن تحول إلى "معرض أبوظبي الدولي للكتاب" عام 1986. ويُعد المعرض منصة لقاء للناشرين، والمنظمات الثقافية، والصحافة لتبادل الأفكار. كما يشكل جزءاً من الاستراتيجية الهادفة إلى تحويل أبوظبي إلى مركز رئيس في عالم النشر. ويحرص المعرض في كل عام على استضافة أهم دور النشر العالمية والإقليمية والعربية، وتنظيم فعاليات بمشاركة كبار صناع النشر في العالم تسهم في تطوير صناعة النشر، وفتح آفاق جديدة للناشرين المحليين والعرب، كما يحرص المعرض في كل دورة على إثراء فضاء العرض ببرامج فكرية وثقافية ذات صلة بالواقع، إلى جانب عروض فنية تجذب الزوار وتشكل قيمة مضافة للحدث. وكما هي عادته السنوية أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتخصيص 6 ملايين درهم لشراء كتب قيمة من معرض أبوظبي الدولي للكتاب لرفد المكتبة المدرسية، وذلك إيماناً من سموه بأن القراءة رافد من روافد المعرفة وسعة الإطلاع. وقال سموه: "دورنا توثيق صلة ا?جيال بها نريدهم رواداً في مختلف العلوم، نتطلع لصناعة علماء وأجيال تقود المستقبل". إضافة لهذه المعارض، شهد الأسبوع الماضي وبرعاية من سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، معرض "بت الشرق الأوسط وأفريقيا"، الذي استضافته أبوظبي، وغرد سموه بهذه المناسبة قائلا "خطوة إماراتية جديدة رائدة على طريق مستقبل مشرق للتعليم. الاستثمار في التكنولوجيا وتوظيفها لتطوير التعليم خيار إماراتي متقدم سوف تجني ثماره الأجيال المقبلة". سعيد جداً برؤية طلاب المدارس والجامعات يتوافدون على مثل هذه الفعاليات، لكنني أتمنى أن ترجع إلى مدارسنا حصص القراءة التي تعلمنا نحن من خلالها معنى الثقافة، وكلي ثقة أن مناهج القراءة الناقدة لم تعد ترفاً نتغنى به متى ما أردنا، لكن مثل هذه المناهج أضحت ضرورة لازمة في زمن الانفتاح على العالم عبر بوابة الثقافة الإلكترونية. وعندما تقوم إدارات المعارض مشكورة بمنع بيع بعض الكتب التي تروج للإرهاب، أو تزرع الضغينة في نفوس الناس، تكون سدت باباً للريبة، لكن شبابيك الفتن اليوم مُشرعة بين أيادي جيل التقانة، فإن لم نزودهم بمهارات القراءة الناقدة نجعلهم صرعى الهجمات الإلكترونية على عقولهم الزكية.