لفرنسا أهداف مختلفة عن أهداف الولايات المتحدة في سوريا، رغم أن البلدين عملاً معاً في ضرب البنية الأساسية للأسلحة الكيماوية للنظام السوري الحاكم قبل قرابة أسبوعين. فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه يريد تقليص الحضور الأميركي في سوريا، بينما عزز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التورط الفرنسي في المنطقة. ويأمل ماكرون حالياً أن تساعد زيارته إلى واشنطن في اقناع ترامب بأن يحذو حذوه. ويجب على ترامب أن ينصت. وفرنسا تخشى أن يؤدي الانسحاب الأميركي من سوريا إلى تحويل ما بقي من البلاد إلى دولة دمية في يد الإيرانيين أو ملاذ آمن للمتشددين السُُنة أو إلى الأمرين معاً. وقد يمثل الانسحاب الأميركي إشارة لبدء نزف هائل للدماء حين يعتزم الرئيس السوري بشار الأسد الإجهاز على ما بقي من أعدائه، وهو أمر لا تستسيغه فرنسا. وأهداف المسؤولين الفرنسيين في سوريا مشروعة، وتتمثل في نهاية عن طريق التفاوض للصراع يحظى فيها كل الأطراف بنصيب معقول في مستقبل البلاد، وإلحاق الهزيمة بالحركات الإرهابية، والسعي لتقديم أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية للمدنيين. وفي الوقت الذي تتردد فيه القيادة الأميركية بشأن خياراتها في سوريا، مارس «ماكرون» مزيجاً من المرونة والحزم لا يخدم مصالح فرنسا فحسب، بل من الممكن أن يلائم ترامب أيضاً. وتحددت معالم موقف ماكرون بعد انتخابه مباشرة حين حافظ بواقعية بارعة على سياسة فرنسا السابقة المتعلقة بجعل التخلص من الأسد شرطاً مسبقاً لبدء المحادثات بشأن مستقبل البلاد. وحظيت الضربات بنظرة إيجابية في فرنسا. فقد دمرت الضربات البنية التحتية لأسلحة الدمار الشامل للأسد، وجعلت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وضع دفاعات جوية متقدمة في المنطقة يبدو بمظهر الضعيف. وعززت الضربات أيضا مصداقية فرنسا في المنطقة. فقبل فترة قصيرة من الضربات، هاجمت تركيا عدة مواقع كانت ميليشيات كردية مدعومة من فرنسا تسيطر عليها في اختبار واضح لحسم الرئيس الفرنسي الجديد. وأكدت فرنسا على الفور التزامها تجاه المنطقة وتراجعت تركيا، لكن منهج ماكرون في معالجة القضية السورية ليس كله قوة. فقد عملت فرنسا جاهدة على أن تكون قوة محورية في الصراع السوري، وهي الطرف الوحيد إلى حد كبير في الصراع الذي يستطيع كسب احترام واهتمام كل الأطراف الأخرى. وتريد فرنسا أن ينظر إليها باعتبارها وسيطاً أميناً قادراً على حماية الخطوط الحمراء، ومراعاة المصالح المعقدة للأطراف المختلفة أيضا. وفرنسا واحدة من أكثر الدول نشاطاً في الأمم المتحدة فيما يتعلق بقضايا سوريا. ورغم أنها متحيزة إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في التصدي للاستفزازات الروسية، لكنها دأبت على التأكيد على الحوار وأحجمت عن الخطاب الذي يثير غضب موسكو. وكل هذه المواقف قُدمت بعناية، وتجعل فرنسا حليفاً محورياً للولايات المتحدة في أي حل للصراع. ولفرنسا مصالح محورية في سوريا. فلدى جماعة داعش عدد كبير من المقاتلين الفرنسيين الذين يريدون العودة إلى فرنسا ليعيثوا في الأرض الفساد هناك، بعد أن تلحق بهم الهزيمة في سوريا، وتريد فرنسا أن تتأكد من ألا يتمكنوا من هذا. ويشعر ماكرون، محقاً، أن فرنسا لا يمكنها الدفاع عن مصالح المجتمع الدولي بمفردها. ويريد ترامب بشدة العثور على طريق ثالث في سوريا، لا هو بالانسحاب الكامل الذي يجعله ييدو بمظهر الضعيف، ولا هو بالحضور الكثيف الذي يناقض تفضيلاته في السياسة الخارجية، وهو أمر يعرف أنه لن يحظى بشعبية في الداخل. ولذا يجب على ترامب أن يترك نظيره الفرنسي يتولى زمام المبادرة. باسكال ايمانويل جوبري* _ _ _ *باحث في «مركز الأخلاقيات والسياسة العامة»- واشنطن. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»